برهان ونتنياهو..قيمة المقابلة
محمد عبد العزيز – صحفي
بعد نحو 24 ساعة من إعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن مقابلته السرية برئيس المجلس السيادي السوداني عبدالفتاح البرهان في يوغندا لساعتين ونيتهم التعاون المفضي الى تطبيع العلاقات بين الجانبين، خرج الأخير عن صمته ليبرر ما حدث أمام عاصفة الانتقادات بقوله:” قمت بهذه الخطوة من موقع مسؤوليتي بأهمية العمل الدؤوب لحفظ وصيانة الأمن الوطني السوداني وتحقيق المصالح العليا للشعب السوداني”.
دائرة الاختصاص
البرهان اقر ضمنيا بان لقائه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في أوغندا الإثنين الماضي يقع في الاساس تحت اختصاص الجهاز التنفيذي بقوله:” بحث وتطوير العلاقة بين السودان وإسرائيل مسؤولية المؤسسات المعنية بالأمر وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية”.
مجلس الوزراء عقد اجتماع مطول لبحث الزيارة وتداعياتها سبقه بيان وتصريح من الاعلام والخارجية يفيد بعدم معرفتهم بها، مما يلقي بظلال حول مدى الالتزام بالوثيقة الدستورية ويطرح اسئلة حول الية اتخاذ القرار في الحكومة الانتقالية، وما يستلزم من ترتيبات سياسية تتصل بالتشاور مع تحالف قوى الحرية والتغيير الذي سيشكل 68% من البرلمان الانتقالي الذي لم يشكل بعد.
هجوم عنيف
قوبل اجتماع عنتيبي بين البرهان ونتنياهو بهجوم عنيف من تحالف قوى الحرية والتغيير، وجرى توصيفه بالخرق والتجاوز البائن للوثيقة الدستورية، وطبقا للوثيقة فإن مجلس السيادة السوداني ينبغي أن يتولى مهاما تشريفية فقط، ويترك لمجلس الوزراء رسم السياسات العامة لإدارة الدولة بما في ذلك العلاقات الخارجية.
سبق الموقف الموحد بيانات وتصريحات لقوى الحرية منفردة اتفقت في مجملها على رفض اللقاء، رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي قال أنه لن يحقق مصلحة وطنية أو اقليمية أو دولية، مشيرا إلى أن (صفقة القرن) التي جرت تسريبات أنها كانت حاضرة في اللقاء بأنها تزيد الاوضاع احتقانا وتعطي مبرر لتمدد حركات العنف والتطرف.
وليس بعيدا عن هذا مضى الشيوعي عبر المتحدث الرسمي فتحي فضل الذي قال أن ما حدث خيانة لنضالات الشعب السوداني ضد الإمبريالية والموقف السوداني من القضية الفلسطينية، مجددا التساؤل حول كيفية حكم السودان في الفترة الانتقالية خاصة ما يلي السياسة الخارجية.
فتح الأجواء
في هذه الأثناء كشفت مصادر إسرائيلية أن رئيس الوزراء المنتهية ولايته طلب من البرهان فتح المجال الجوي السوداني للطائرات الإسرائيلية القادمة من أمريكا اللاتينية ، والتي سوف تقصر الرحلات لمدة ثلاث ساعات.
وبدأ الحديث عن استخدام الطائرات الإسرائيلية المجال الجوي السوداني، عقب زيارة الرئيس التشادي إدريس ديبي، لتل أبيب، في نوفمبر 2018، بعدما ذكر نتنياهو، أن شركات الطيران الإسرائيلية ستتمكن من التحليق فوق السودان بطريقها لأميركا الجنوبية، الأمر الذي نفته السلطات السودانية وقتها.
فتح المجال الجوي قد يكون أيضاً واحداً من أسهل الخطوات التي يمكن للدول اتخاذها عند سعيها لإنهاء الخلافات القديمة.
فهو نوع من التقارب يظل غير ملحوظ بدرجة كبيرة للمواطنين –عكس زيارات السياح أو التجارة على سبيل المثال– ولا يثير أيضاً الكثير من المشاعر.
وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة تدفع باتجاه فتح المجال الجوي كوسيلة لبناء الثقة بين إسرائيل ودول المنطقة.
بجانب ذلك يسعى نتنياهو المنتهية ولايته لتعزيز حظوظه الانتخابية في مارس القادم وسط القواعد اليمينية سواء من خلال تسويق قدرة الدبلوماسية الاسرائيلية على الاختراق او من خلال ورقة اعادة اللاجئين.
اتصال بامبيو
تلقى البرهان بعد اللقاء إتصالا من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أشاد بنتائج الاجتماع، وهو ما أثار تساؤلات حول التزام واشنطن بمدنية الحكم والتحول الديمقراطي في السودان، لا سيما وأن الموقف الأمريكي ظل حريصا على التأكيد على سيطرة المدنيين على القرار أثناء الفترة الانتقالية وحرصه على انتهائها في مواعيدها بانتخابات تعددية نزيهة.
الاتصال يعطي تأييد اكبر للمظاهر العسكرية في الحكم وهو أمر يدعو للقلق لاسيما وأن السودانيين ينظرون للموقف الغربي والافريقي باعتباره داعما للتحول الديمقراطي.
موقف الشارع
تباينت المواقف في الشارع السوداني حول الخطوة، إلا أن الآلية الوحيدة لاستجلاء موقف الشارع في القضايا الكبرى تتم عبر الاستفتاء الشعبي أو المؤتمر الدستوري أو عبر برلمان منتخب، خاصة أن النظام الانتقالي ليس مخولا له إحداث تحولات جوهرية في المواقف الاستراتيجية.
على كل يمكن القول أنه بغض النظر عن الآراء المؤيدة أو المعارضة للتطبيع مع اسرائيل، فان الخطوة تمثل قفزة نحو المجهول في ظل خروقات دستورية وقانونية يمكن أن تقوض الحكم الانتقالي، مما يلقي بظلاله حول قيمة المقابلة.