23/04/2024

بوابة السـودان

صحيفة إلكترونية مستقلة

دقة الإخراج تفاديا للإحراج يا جماعة

بقلم محمد شمس الدين / إعلامي وكاتب صحفي سوداني مقيم في القاهرة 

انطلقت حملة محاكمة ترامب “بجلالة قدره” منذ أربعة أشهر  في أكبر حملة قادها الديمقراطيون على رئيس للولايات المتحدة لمجرد أنهم يرون أنه تجاوز صلاحياته وحاول عرقلة عمل المؤسسة التشريعية “الكونجرس”. 
تتناقلت هذا الحدث حتى آخر لحظة جميع وسائل الإعلام في العالم.. لاسيما الجلسة الأخيرة التي جرى فيها التصويت بأغلبية 52 صوتا مقابل 48 صوتا على أنه (غير مذنب) وذلك في اتهام يتعلق باساءة استخدام السلطة، و التصويت بأغلبية 53 صوتا مقابل 47  على أنه (غير مذنب)  في اتهام بعرقلة عمل “الكونجرس” وللمفارقة فقد صوت مِت رومني “الجمهوري” ضد ترامب !
 محاكمته التاريخية التي انطلقت بقيادة السيدة الأقوى في الولايات المتحدة نانسي بيلوسي ونجحت في انتزاع إدانة من “مجلس النواب”..  تقبلها الجمهوريون وترامب نفسه ولم يخرج بسببه عن سياق مناكفته للديمقراطيين ولرمزهم القوي “نانسي بيلوسي ” والتي كان آخر قفشاتها  ماحدث في لحظة بداية وختام خطاب حالة الاتحاد الثاني لترامب. دون حياد عن المسار الدستوري. 
 ثم وصلت المحاكمة لمحطة مجلس الشيوخ التي برأته بالقانون وبفارق أربع وخمس أصوات في التهمتين،  لينتهي مشهد المحاكمة بإسقاط قضية العزل.. وبالطبع سيستغل ترامب هذه التبرئة في سباق الانتخابات الذي انطلق في مرحلته التمهيدية من قبل الديمقراطيين.. ثم ما لبث ترامب أن عاد لما يبرع فيه وهو إغاظة ومكايدة خصومه الديمقراطيين بتغريده أشبه بما تسمى عربيا ب “قصف الجبهة”. ولكن على الصعيد الإنساني  حيث غرد بمقطع فيديو يظهره على غلاف مجلة تايم الأمريكية وأمامه لافتة تتغير أرقام السنوات فيها لتصبح “للأبد”  ومجلة تايم تعد الأبرز فيما يتعلق بتناول أشهر الشخصيات المؤثرة حول العالم. 
على أي حال كل ماسبق ماهو إلا إسقاط على الاختبار الأول للديمقراطية الذي تمر به الإدارة السودانية الجديدة خلال هذا الأسبوع الطويل والحافل، والذي ينتظر تقييما من غطائها السياسي المتمثل في قوى الحرية والتغيير، وقوتها الدافعة المتمثلة في الشارع الذي بدوره ينتظر ليرى كيف ستتصرف قيادته الروحية، الشارع الذي أتى بهذه الإدارة بعد أن أسقط سابقتها.. 
منذ لقاء البرهان – نتنياهو  وطريقة التعامل الرسمية مع الأمر لا تخلو من حالة من التخبط أو التقصير أو التنازلات وفي جهة من الجهات لاتخلو طريقة التعامل مع الشارع من عدم الاكتراث بمايظنه أو كيف ينظر إلى قيادته الرسمية.. بل إن في ذلك إحراج للشارع ولقيادته الروحية وللجهاز التنفيذي .. كل هذا تفاديا لمساءلة شكلية ؟؟؟؟ لماذا يتفادى مجلس السيادة أن تتم مساءلته ومسألة رأسه ..
 المؤكد أن الخوف من تبعات تلك المساءلة تسيطر على الجميع لأن المستور قد كشف واتضح أنه ليس البرهان وحده من سيساءل بل حمدوك أيضا الذي يعلم بكل التفاصيل منذ أشهر. وفريق مجلس السيادة ومن حضر اللقاء مع البرهان!! 
إذا فالجميع في مأزق.. هل تطبق قوانين الوثيقة الدستورية أم أن ذلك سيكلف طرفا مالا يتوقعه .. والأكيد أن تفادي تطبيقها بهذا الشكل المريب والعجيب لم يصب إلا في خانة الخصم من رصيد الثقة لدى الشارع في مكونات المشهد السياسي الحالي من العسكريين والمدنيين.. تلك الثقة المقيدة بصراحة ووضوح رئيس الوزراء التي راهنا جميعا عليها.. والتي “بغيابها” عاد الحديث عن عدم ثقة الطرفين في بعضهما البعض. 
فيا دكتور حمدوك ويا أعضاء مجلس سيادة الشعب الأكارم… إما أن يحترم الجميع الوثيقة الدستورية وإلا فإنكم جميعا ستعتبرون مشاركين في مخالفة هذه الوثيقة التي توافق عليها كل مكونات الشعب والتي تحدد صلاحيات كل مستوى من مستويات الحكم.
لا يكفي تعميم صحفي أو لقاء غير مباشر مع وسائل الإعلامأو بيان عبر السوشيال ميديا.. أو تنوير صحفي دون سؤال واحد.. ولابد من تطبيق آليات المحاسبة عبر “الكونجرس” المؤقت ولو على أنفسكم لتظهروا احترام الصلاحيات التي لابد من تفعيلها و التي أشار إليها حمدوك في بيانه الأخير  الذي كان موجها لشركاء السيادي لا لغيرهم بدليل أن وسائل الإعلام قاطبة لم تلتقط سوى جملة ترحيبك بما جاء في التعميم الصحفي للبرهان.
لم يكن مقنعا ما ورد في بيان مجلس الوزراء الذي تلاه وزير الإعلام لأنه و ببساطة شديدة يناقض ما قاله دولة الرئيس صباح اليوم عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.. كذلك لأنه كان بيانا هدفه إيجاد مخرج وشرعية -ولو مؤقتة- لمسألة تجاوز البرهان لصلاحياته كمسؤول وكمواطن.. حيث ينص البيان على أن هذا العلاقة مع إسرائيل ” تتجاوز صلاحيات الجهاز التنفيذي” وهذا أمر لا يخفى على أحد، حيث لابد من انعقاد الجسم التشريعي المؤقت الذي تنص عليه الوثيقة الدستورية -الذي ألمح المتحدث الرسمي إلى أن المجلس التشريعي المؤقت غير معني أو مقيد تجاه هذه القضية- ثم إنه لا يوجد لقاء بصفة شخصية يتم تداوله على أوسع نطاق بل يكون سريا ولا يتم تداول ماتم بحثه في اللقاء. اذا كانت العلاقة ليست من اختصاص المجلس المؤقت فكيف تتم مخالفة الدستور الذي مازال يجرم أي تواصل مع إسرائيل ولم يعدل بعد.. أم أن تعديلا طرأ عليه دون علم الشارع ؟ 
لماذا نسمع هذه اللهجة والمجلس المؤقت يحظى بصلاحية مطلقة لسن كل القوانين التي تسير هذه الفترة الانتقالية بموجب الوثيقة الدستورية حتى موعد تشكيل المجلس التشريعي بشكله الدائم.. بل إن تلك الوثيقة تتضمن آلية لفض النزاع حول ما يحتمل أن يختلف بشأنه الطرفان.. أي أن المجلس يمكنه أن يجتمع ويقر قانونا بالاجماع ويعقد جلسة مساءلة يمرر فيها مسألة الزيارة واللقاء.. بالمناسبة هل يملك من يتصرف بصفة شخصية أن يعقد صفقات .. أن يمنح مالا يملك.. كيف ستمر الطائرات الإسرائيلية وكيف ستحصل رسوم المرور المليونية.. هل يمكن ان تكون الصفقة دون مقابل مادي مباشر للخزينة ؟ هل يمكن ان تكون مقابل رفع العقوبات فقط دون القيمة المادية ؟ نود أن نعرف كل ذلك فرسوم العبور يوميا بأرقام دولارية من ستة أصفار .. وهنا تتشكل اامصلحة.. 
فلتطبق الآليات التي وضعتموها وتوافقتم عليها حتى يتشكل المجلس التشريعي وحينها لكل حادث حديث ويمكن حينها تثبيت أو إلغاء أي أمر بالآليات التشريعية أيضا. 
الأمر شأن محلي بحت ياسادة لايتعلق “بحقوق الشعوب المضطهدة” أبدا وفي تلك الاشارة نوع من الهروب من الموضوع الأساسي .. الأمر فقط يتعلق باحترام ما وُعِد به الشارع المكلوم.. ويصب في خانة تقوية علاقة مؤسسات الدولة بالشارع.. وتقوية الصورة النمطية عند كل من يراقب المشهد من الخارج خاصة وأن المشهد السياسي بأكمله تحت مجهر مراقبة المجتمع الدولي بدليل أن لا شيء دخل للخزينة..
الأمر لا يتجاوز مسألة الإخراج الذكي بالسيناريو الذي يفضله و يراه المخرج مناسبا..  لأن الأمر برمته أشبه بالمسرحية أو الفيلم الذي يُدفع مقابل مشاهدته وقت ومال، فكيف إذا كان المدفوع أغلى من  كل وقت ومال الدنيا .. ولمن نسي فإن المدفوع هو ثمن غال .. هو دم الشهداء وأرواحهم التي تراقب المشهد من حيث هي الآن..  تراقب ما اذا كانت النتيجة تستحق تلك التضحيات.
 لا تنس يادكتور حمدوك أنك التزمت بتفعيل آلية افتقدها السودان عقودا طويلة منذ الاستقلال وهي الآلية التي أسميتها  (كيف) سيُحكم السودان.. والحذر  كل الحذر من أن تزل قدمك في فخ (من). 
أخيرا كل هذا الحديث قبل عودة أحبتنا المحتجزين في ووهان حديث يشعر المرء باستياء شديد.. ويدفعه للتفاعل معه بنفس مكرهة.. فسلامة حياة مواطن سوداني واحد أهم من كل ما تقومون به الآن من تنصل من المسؤوليات.. وننتظر تحديثا بالمعلومات عن حالة الطائرة التي تفيد آخر المعلومات بأن تكلفتها باتت متوفرة لدى الخارجية ننتظر هذا التحديث كل صباح ومساء من قبل الإدارة القنصلية بالخارجية واهتماما إعلاميا بحجم كارثة فيروس كورونا الذي حصد أرواح أكثر من  500 حالة حتى الآن  وأصاب أكثر من 27 ألفا ما أدى بسلطات مدينة ووهان لتعطيل حركة التنقل وتحديد طريقة إجلاء جماعية. 
مشكلة أحبتنا في ووهان هي أهم تحد حتى الآن.