رغم إقالة رئيس الوزراء ونتائج مؤتمر طوسمريب.. قادة الصومال يتحلون بالمسؤولية
تسارعت تطورات المشهد الصومالي بشكلٍ غير متوقع خلال اليومين الماضيين، فقبل أن يستفيق الناس من نتائج مؤتمر طوسمريب الذي شهد لقاءً نادرًا بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم، فوجئوا باتخاذ البرلمان الفيدرالي خطوة غير متوقعة قضت بالإطاحة برئيس الوزراء حسن خيري عبر إجراء استفتاء على سحب الثقة، حيث صوّت 170 نائبًا لصالح حجب الثقة مقابل 8 عارضوا ذلك ولم يمتنع أي من النواب الحاضرين عن التصويت.
شكّلت خطوة سحب الثقة من رئيس الوزراء خيري مفاجأة لجميع الصوماليين الذين يدعمون حكومة الرئيس فرماجو أو الذين يعارضونها، فقد جاء الإجراء غير المتوقع بعد يومين فقط من ختام المؤتمر التشاوري الذي استضافته مدينة طوسمريب عاصمة ولاية غلمدغ في أعقاب خلافات عميقة في ملف الانتخابات بين الحكومة الفيدرالية ممثلة في رئيس الجمهورية محمد عبدالله فرماجو من جانب، ورؤساء الولايات الإقليمية من الجانب الآخر وهم رئيس ولاية غلمدغ أحمد عبدي كاريي “قورقور”، ورئيس ولاية بونتلاند سعيد عبد الله دني، ورئيس ولاية جوبالاند أحمد مدوبي، ورئيس ولاية جنوب غرب الصومال عبد العزيز حسن محمد “لفتاغرين”، ورئيس ولاية هيرشبيلي محمد عبدي واري.
بيان ختامي متوازن
سنعود إلى إقالة رئيس الوزراء حسن خيري بشيء من التفصيل والتحليل، لكن إذا تحدثنا في البداية عن قمة طوسمريب نجد أن القيادات الصومالية المشاركة في القمة حرصت على خروج البيان الختامي بعبارات متوازنة ترضي جميع الأطراف رغم أن القمة لم تحسم شيئًا من الملفات العالقة، وأهمها ملف الاستحقاق الانتخابي الذي يشهد تجاذبًا واضحًا بين الرئيس فرماجو وحكام الولايات، فالبند الرابع من البيان جاء فيه: “إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية تُرضي جميع الأطراف في موعدها المحدد”، وهو حديث عام فضفاض لا يذكر صراحة وجود اتفاق واضح بين كل الأطراف السياسية على تنظيم الانتخابات في موعدها، بل اكتفى بذكر وجود “تفاهم” بين المشاركين في المؤتمر بأن تشهد البلاد انتخابات توافقية تنظم في موعدها.
في البند الخامس حاول المجتمعون تفسير ما ورد في البند الرابع، إذ ورد أولًا، “تشكيل لجنة فنية مكونة من ممثلي الدولة الفيدرالية والحكومات الأعضاء، تعمل على تقديم توصيات ومقترحات بشأن الانتخابات المقبلة”، إلا أنه لم يتم توضيح كيفية تشكيل اللجنة وتمثيل كل طرف، فيما ورد في الفقرة الخامسة من البيان أنه “سيتم عقد قمة ثانية في مدينة طوسمريب، خلال أسبوعين، من أجل إكمال مسيرة عملية الانتخابات”.
الاجتماعات التي جرت في طوسمريب عكست نضوجًا سياسيًا بين الأطراف الصومالية
لا يزال الخلاف قائمًا بين الحكومة الفيدرالية وحكام الولايات
بالنظر إلى الفقرة الخامسة من البيان الختامي، يتضح أن قمة طوسمريب لم تحقق اختراقات حقيقية في ملف الانتخابات التي من المفترض أن تُجرى نهاية العام الحاليّ أو بداية العام القادم، فالخلاف ما زال قائمًا بين رؤساء الأقاليم الفيدرالية الذين يتمسكون بتنظيم انتخابات غير مباشرة بينما يصر الرئيس فرماجو على أن “الشعب هو الفاصل في الانتخابات ليختار من يجلس في الكرسي”، في إشارة إلى عقد الانتخابات المباشرة بقانون “صوت واحد لشخص واحد” الذي وقّع عليه مطلع العام الحاليّ.
لكل طرف مبرراته ووجهة نظره في الرؤية التي يتمسك بها، فالذين يوافقون الرئيس على إجراء الانتخابات المباشرة يرون أن إجراء الانتخابات غير المباشرة “صيغة المحاصصة العشائرية المعروفة ب 4.5″، يعني حصر المقاعد لعشائر محددة، ويقولون إنها طريقة غير دستورية تم العمل بها مؤقتًا إبان الاتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه في مؤتمر عرتا عام 2000 ريثما يتم إجراء إحصاء سكاني وتسجيل الناخبين وتخصيص الدوائر الانتخابية وسن التشريعات اللازمة، بعكس الحكومة الحاليّة التي أمامها قانون انتخابات يحدد مسار ونوعية الانتخابات المنتظرة.
رئيس الوزراء المُقال يتطلع إلى المنافسة على منصب الرئيس
الطرف الآخر لديه وجهة نظر مختلفة، إذ يرى رؤساء الأقاليم ومن يساندون موقفهم أن المؤشرات والاعتبارات الراهنة لا تسمح بإجراءات انتخابات شعبية ونشر دوائر انتخابية في جميع الأقاليم الصومالية، مع وجود تهديدات أمنية وأخرى اقتصادية متعلقة بانتشار فيروس كورونا وآثاره السلبية، إلى جانب ضيق الوقت، حيث لم يتبق على موعد الانتخابات إلا أشهر قليلة، وهو ما يجعل عقد انتخابات شعبية مستحيلة في هذا التوقيت، حسب رؤية هذا الطرف.
السبب الذي يرجحه كثيرون لخطوة إقالة رئيس الوزراء حسن خيري عبر سحب الثقة، أنه أصبح يتفق مع رؤية رؤساء الأقاليم في الدعوة لانتخابات غير مباشرة، إذ اعتبر رئيس حزب “هلدور” عبد القادر عثمان، استقالة رئيس الحكومة الصومالية “أمرًا طبيعيًا”، بعد شعور مجلس الشعب الصومالي والرئيس الصومالي بأن رئيس الوزراء يغرد خارج السرب ويدعو إلى انتخابات غير مباشرة، بينما أغلب أعضاء مجلس الشعب الصومالي صوتوا لقانون انتخابات عامة مباشرة، ويفضلون انتخابات مباشرة حسب الدستور وقانون الانتخابات.
ويسود كذلك اعتقاد لدى المحللين بأن رئيس الوزراء المقال يتطلع إلى منافسة الرئيس الحاليّ فرماجو على المنصب، ويبرر البعض رفض حكام الأقاليم الصومالية للانتخابات المباشرة لأنهم يعتبرونها مهددًا لمستقبلهم السياسي وسحب البساط من تحت أقدامهم، بينما يرى آخرون أن الرئيس فرماجو يفضل الانتخابات المباشرة لأن فرصه قد تضعف في حالة إجراء الانتخابات غير المباشرة بنظام المحاصصة القبلية، حيث يُنتخب بطريقة المحاصصة أعضاء البرلمان بمجلسيه “الشعب والشيوخ” لينتخبوا بدورهم رئيس البلاد.
مدير مركز مقديشو للبحوث والدراسات عبد الرحمن عبدي، يشير إلى أن الاجتماعات التي جرت في طوسمريب، “عكست نضوجًا سياسيًا بين الأطراف الصومالية، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل”، مضيفًا “الجميع بات أمام امتحان صعب يتمثل في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه”.
واعتبر عبدي أنّ “إحالة ملف الانتخابات إلى لجنة فنية مشتركة تقوم خلال الأيام المقبلة بصياغة نموذج انتخابي، دليل على وجود عقبات كبيرة تحتاج إلى مزيد من التشاور والتفاهم، رغم التفاهمات والاتفاقات التي جرت بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية في مؤتمر طوسمريب”.
3 سيناريوهات أمام اللجنة المشتركة
يلفت تقرير لوكالة أنباء الأناضول إلى وجود 3 خيارات متاحة أمام اللجنة الفنية المشتركة للنظر في ملف الانتخابات، تكون على النحو التالي:
الأول: إجراؤها في موعدها أواخر العام الحاليّ وفق القانون الجديد مع الشروع في الإعداد لها خلال الفترة المقبلة، وهذا ما يفضله الرئيس فرماجو.
الخيار الثاني: هو التمديد للسلطة الحاليّة التشريعية والتنفيذية لمدة عامين أو أكثر لحين الإعداد للانتخابات، وهذا الخيار ترفضه المعارضة.
أما الخيار الثالث، فهو عقد الانتخابات وفق نظام المحاصصة العشائرية المعمول به منذ سنوات قبل إقرار القانون الجديد، وهو خيار مرفوض من الحكومة وكذلك من المجتمع الدولي، وأيضًا من مراقبين مستقلين، إذ يقول الكاتب عبد الرحمن عيسى إن الانتخابات غير المباشرة التي جرت عام 2016 كانت أشبه بالاختيار أكثر من الانتخاب وشابتها الكثير من الخروقات والتجاوزات وشراء الذمم وتأثير المال السياسي، الأمر الذي أدى إلى خلق مشاحنات وخصومات بين العشائر والأفراد أكثر مما أفرزت أجواءً من الوئام الاجتماعي بالتنافس الشريف.
من الأهمية بمكان أن يستمر الحوار والتفاهم بين القادة الصوماليين لتجنيب البلاد سيناريوهات الفراغ الدستوري أو الصراع الصفري الذي يتبدّى في إثيوبيا
مقترحات تضمن مشاركة جماهيرية واسعة
يذكّر عيسى بالمقترحات والأفكار التي وردت في دراسة نشرها معهد التراث لدراسة السياسات، معتقدًا أنها قد تساعد اللجنة المشتركة من أجل تطوير نموذج انتخابي يتيح للمواطنين مشاركة جماهيرية واسعة كحلّ وسط، ومن أهم الأفكار التي عرضها عبد الرحمن عيسي:
– تسجيل المقترعين “وليس المرشحين” على أساس صيغة المحاصصة العشائرية.
– اعتماد 275.000 ألف مقترع أو ناخب على أساس عدد أعضاء مجلس الشعب.
– تخصيص ما لا يقل عن ثلاث دوائر انتخابية في كل ولاية.
– انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ من شعب الولاية.
– انتخاب أعضاء مجلس الشعب في الدوائر المخصصة.
– إشراف لجنة انتخابية مشتركة مشكلة من الدولة الفيدرالية والولايات.
– اعتماد ترتيبات خاصة لمقاعد صومالي لاند في مجلسي البرلمان (مجلس الشيوخ ومجلس النواب).
روح المسؤولية
رغم كل ما يُثار عن فشل قمة طوسمريب أو على الأقل أنها لم تنته إلى نتائج واضحة بخلاف البيان التوافقي، فإن مجرد انعقاد القمة وجلوس رؤساء الأقاليم الصومالية مع رئيس الجمهورية فرماجو ورئيس وزرائه المقال بحضور رئيسة اللجنة المستقلة للانتخابات يشكل خطوة كبيرة للأمام، خاصة أن الأطراف توافقت على الثوابت المهمة كوحدة وتماسك البلاد والشعب الصومالي، إلى جانب تعزيز التعاون القائم بين الدولة الفيدرالية والحكومات الأعضاء لتحقيق السلام، وتفعيل جهود محاربة التطرف والإرهاب وتنمية الاقتصاد الوطني واستكمال خريطة برنامج إعفاء الديون الخارجية.
كذلك لا بد من الإشادة بموقف رئيس الوزراء السابق حسن خيري الذي أعلن في مؤتمر صحفي استقالته من منصب رئيس الحكومة الصومالية “حفاظًا على استقرار البلاد، ودون العودة إلى مربع العنف والفوضى”، رغم أنه وصف خطوة سحب الثقة عنه بواسطة البرلمان بأنها “كانت غير شرعية وخالفت بنود الدستور الصومالي”.
إذًا، مهما كان رأينا في خلفيات إقالة رئيس الوزراء خيري الذي يتعاطف معه كثير من الشباب الصومالي، أو كانت لدى بعض المحللين تحفظات عن نتائج مؤتمر طوسمريب التي يراها البعض متواضعة ولم تلبّ طموحات الصوماليين، فإنه لا يمكن مقارنة الوضع الصومالي بما يحدث في إثيوبيا المجاورة، فإثيوبيا تشهد أزمة سياسية أمنية وصراعًا خطيرًا بين الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا من جانب وأنصار المعارض الشاب جوهر محمد وحكومة إقليم تيغراي شمالي البلاد من الجانب الآخر، إذ تصر حكومة الإقليم على إجراء الانتخابات في سبتمبر/أيلول القادم، بينما اتخذت حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد قرارًا بتأجيلها بسبب فيروس كورونا، واعتقلت السلطات الإثيوبية جوهر وعددًا آخر من السياسيين بسبب اضطرابات خلفها مقتل المغني الشهير هاتشالو هونديسا أواخر الشهر الماضي فضلًا عن ملف الانتخابات الذي لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا لحكومة آبي أحمد حيث يفترض أن ينتهي تفويضها بنهاية سبتمبر/أيلول المقبل.
لذلك، من الأهمية بمكان أن يستمر الحوار والتفاهم بين القادة الصوماليين لتجنيب البلاد سيناريوهات الفراغ الدستوري أو الصراع الصفري الذي يتبدّى في إثيوبيا وينذر بمخاطر تهدد وحدة الجارة الغربية للصومال ويفتح الباب أمام دخولها في حرب أهلية أو خطر التقسيم، لذلك من المهم أن تستمر في الصومال روح التوافق وتقديم التنازلات من كل الأطراف وصولًا لحلٍّ وسط لقضية الانتخابات.