توقيع اتفاق السلام بالأحرف الأولى بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية
طوت الحكومة السودانية وقوى الجبهة الثورية أخيراً عاما كاملا من التفاوض الشاق بالتوقيع على اتفاق سلام بالأحرف الأولى وسط حضور محلي واقليمي واسع واهتمام إعلامي كبير.
وجرت مراسم التوقيع في جوبا على بروتوكولات الاتفاق الثمانية للمسارات الخمس التي جرى حولها التفاوض والتي شملت دارفور، المنطقتين، مسار الوسط، مسار الشرق، ومسار الشمال.
وشارك في مراسم الاحتفاء ممثلين لدول ايقاد علاوة على سفراء السعودية والامارات وممثلين لمصر علاوة على مندوبين للولايات المتحدة والاتحاد الاوربي.
وحث رئيس جنوب السودان سلفا كير ميادريت الأطراف الموقعة على الاتفاق بتنفيذه نصًا وروحًا، لأنه خاطب كل قضايا وأزمات السودان، ودعا المجتمع الدولي لتقديم دعم مالي وسياسي ودبلوماسي للسودان من أجل تنفيذ اتفاقية السلام.
وتعهد كير ببذل جهد أكبر مع رئيس الحركة الشعبية – شمال عبد العزيز الحلو وقائد حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، لعودة الأولى لطاولة التفاوض وإقناع الثانية بأهمية التحاور.
وقال كير إن الخيار العسكري لمشاكل السودان الداخلية ليس حلًا، مؤكدًا رفضه انتهاج العنف وسيلة لحل هذه المشاكل، وأشار إلى إنها تُحل بالتحاور بروح طبية.
وشكر الرئيس كير الحكومة السودانية وقوى الكفاح المسلح على قبولهم واسطة جنوب السودان، وأثنى على جهودهم التي قادت لتوقيع هذا الاتفاق رغم الأزمات التي ظلت تواجه الدولتين، كما تقدم بشكره إلى قادة الإمارات وقطر وتشاد والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على توفير الدعم المالي والفني من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق.
اتفاق للجميع
بدوره قال رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مخاطبا حفل التوقيع إن التوصل إلى اتفاق سلام ظل مسعي الحكومة الانتقالية من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية، وأشار إلى أن الاتفاق انهي أزمات البلاد وعالج أسبابها السياسية والاقتصادية، وتوقع أن يؤدي أيضا إلى إنجاح مرحلة الانتقال.
وأفاد بأن اتفاق السلام المبرم بين حكومته وقوى الكفاح المسلح لا يخص الطرفين فقط وإنما هو مهم لكل السودانيين حتى تكون المواطنة أساس الحقوق والواجبات.
وأبدي البرهان أمله في أن يقود اتفاق السلام إلى وضع الأسس لبناء سودان المستقبل حيث الحرية والعدالة.
دعوات للحلو ونور
وشدد رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، على أن اتفاق السلام يفتح طريق طويل يحتاج إلى الجميع لعبوره معًا، داعيًا رئيس الحركة الشعبية – شمال عبد العزيز الحلو وقائد حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور للانضمام إلى السلام.
وأضاف مخاطبًاهم: “نحن في انتظاركم، أغلب القضايا تم نقاشها، وسنعمل على مناقشتكم للتوصل إلى توافق وطني شامل”.
وأوضح رئيس الوزراء إن السلام أمانة يجب حملها وتعهدها بالرعاية والاهتمام بغرض تنفيذه على أرض الواقع حتى لا تكون ورق يُوضع في الأوراق.
وقال حمدوك مخاطبا النازحين واللاجئين وضحايا الحرب إن اتفاق السلام المبرم بمثابة سلام للمستقبل، حيث إنه يمهد الطريق لعودة النازحين إلى مناطقهم والاستقرار فيها بأمان.
وقال حمدوك فى منشور على”فيسبوك” عقب مراسم التوقيع “أهدي السلام الذي وقّعناه اليوم بدولة جنوب السودان إلى أطفالنا الذين وُلدوا في معسكرات النزوح واللجوء ولأُمّهات وآباء يشتاقون لقراهم ومدنهم، ينتظرون من ثورة ديسمبر وعد العودة، وعد العدالة، وعد التنمية، ووعد الأمان”.
وأضاف “اليوم بداية طريق السلام، السلام الذي يحتاج لإرادة قوية وصلبة كإرادة ديسمبر التي حطّمت حصون الطغاة والمستبدين”.
تحذير من خسارة المستقبل
وقال رئيس فريق الوفد الحكومي، الفريق أول محمد حمدان حميدتي الذي تولى مهمة التوقيع على كل الاتفاقيات الحكومية، إنه طوال عقود الحرب لم يكسب أحد وإنما خسر الجميع الماضي، محذرًا من خسارة المستقبل حال لم يُعترف بالفشل والذي أجمله في غياب العدالة والمشروع الوطني وعدم الاعتراف بالأخر.
وأضاف: “إننا نقف اليوم في الجانب الصحيح من التاريخ، بتجاوز تلك المراحل المؤسفة”.
وأشار حميدتي إلى أن رجال الدولة السودانية في حاجة إلى التحرر من فشل وأخطاء الماضي والتحصن لمرحلة الانتقال الانتقال إلى سودان المستقبل بفتح فرص للتعافي والتصالح والتعايش.
وتابع: “نحتاج جميعاً أن نعترف بالأخطاء لنفتح علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع بمثل ما نحتاج أن نصحح علاقة المركز بالأطراف”.
وساطة ناجحة
وقال رئيس الجبهة الثورية الهادي ادريس يحيى في كلمته أمام الاحتفال إن عوامل عديدة قادت الي إنجاح عملية السلام \ في مقدمتها انعقاد المفاوضات في جوبا، سيما لأن لدولة جنوب السودان خصوصية ومكانة في قلوب السودانيين.
وأضاف ” إن الوساطة المدركة بطبيعة الأزمة في ظل الرعاية الشخصية للرئيس سلفا كير ميارديت كان لها القدح المعلى في الوصول الي ما وصلنا اليه اليوم من إنجاز، وساهم في نجاح المفاوضات جدية الوفد الحكومي برئاسة الفريق أول حميدتى ورفاقه من أعضاء مجلس السيادة ومجلس الوزراء والفريق المفاوض، وحرصهم على تحقيق السلام على عكس النظام البائد”.
وأشار الى أن اتفاق السلام يعد مميزا خاطب جذور الأزمات وقدم حلول ناجعة ومعايير عادلة لتقاسم السلطة والثروة وإصلاح مؤسسات الخدمة المدنية والعسكرية ونظام الحكم، وتقدم الاتفاقية وصفة علمية وعملية لمعالجة الإفرازات السالبة بالاهتمام بموضوعات النزوح واللجوء وقضايا الأرض والحواكير والعدالة الانتقالية والرحل.
وشدد ادريس على أن الاتفاق الموقع سيظل ناقصا ما لم تتوفر له ضمانات التنفيذ، وإن نجاح الاتفاق يتطلب التزام وطني لمقابلة استحقاقات السلام، مع تعهد ودعم ورعاية دولية لاسيما الاستحقاقات المالية، وتابع ” وهنا تبرز أهمية عقد مؤتمر المانحين لتوفير ما يلزم لإعمار ما دمرته الحرب حتى يعم السلام والاستقرار”.
وشدد رئيس الجبهة الثورية على أن توقيع اتفاق السلام الشامل طوى صفحة الحرب الي الأبد، وناشد الحركات الممانعة بالانضمام إلى السلام “الآن وليس غدا”، ونبذ الاقتتال الي الأبد.
هدايا متبادلة
وتحدث رئيس الحركة الشعبية – شمال، المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية، مالك عقار، بأن اتفاق السلام يجب أن يستخدم لبناء سودان جديد حاضًا الجميع على عدم إهدار هذه الفرصة.
وأشار إلى أن الشعب السوداني أهداهم الحرية، في إشارة إلى قيامهم باحتجاجات واسعة قادت إلى إسقاط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وهم بدورهم يُهدوه السلام. وقد كانت أبرز شعارات الثورة “حرية، سلام وعدالة”.
وقال عقار إنه ينبغي أن يُمهد اتفاق السلام إلى توحيد أكبر قوى اجتماعية سودانية من أجل انجاز الانتقال الديمقراطي، وايجاد سياسة اقتصادية تنصف المهمشين، داعيًا إلى استخدام الترتيبات الأمنية لحماية المدنيين في كل بقاع البلاد خاصة دارفور والمنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق)، والعمل على إصلاح الجيش بعقيدة عسكرية جديدة مهنية تحتفي بالتنوع والديمقراطية.
وأعلن عقار عن إنهاء الحرب، داعيًا رئيس الحركة الشعبية – شمال عبد العزيز الحلو وقائد حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور لعدم تفويت الفرصة.
وعود إقليمية
وتعهد نائب وزير الخارجية المصرية، أسامة شلتوت، بدعم بلاده لاستقرار السودان ودعم تنفيذ اتفاق السلام المتوصل إليه.
وتوقع شلتوت، وهو سفير سابق لبلاده في الخرطوم، أن يقود اتفاق السلام إلى تأسس انتقال ديمقراطي في السودان، داعيًا الحركات غير الموقعة على اتفاق اليوم للحاق بالسلام، وذلك من أجل التمهيد لبناء بلادهم.
وقال سفير المملكة العربية السعودية في الخرطوم، علي بن حسن جعفر، إن السعودية ستظل واقفة مع السودان وستدعم تنفيذ الاتفاق.
وأشار إلى أن مؤتمر شركاء السودان الذي انعقد في الرياض في 12 أغسطس الجاري، كان رسالة سياسية من المجتمع الدولي لحث الأطراف على التوصل لاتفاق السلام.
بدوره أكد سفير الإمارات لدى الخرطوم، عماد محمد، أن بلاده ستتابع اتفاق السلام ولن تترد في تعزيزه بالدعم، حيث إنها قامت بحث الأطراف في وقت سابق من أجل التوصل إلى اتفاق يقود إلى استقرار السودان.