سعي جزائري لاسترجاع المكانة الإقليمية من البوابة الليبية
بقلم/ عائد عميرة صحفي تونسي
وجد عبد المجيد تبون، منذ انتخابه رئيسًا جديدًا للجزائر، بلاده في منطقة متحرّكة وفي وضع دقيق، لا تأثير يذكر للجزائر فيه، نظرًا لضعف مكانتها الإقليمية، فقد كانت غارقة في أزماتها الداخلية وكان النظام فيها وحاشيته مهتمين لكسب النقاط داخليًا أو خارجيًا، فهُم في سباتٍ لا علم لهم بما يجري حولهم.
هذا الوضع حتّم على الوافد الجديد على قصر المرادية، البحث عن آليات عودة الجزائر لشغل مكانتها الإقليمية وعودة نفوذها في المنطقة كما كانت عليه قبل عدّة سنوات، وهو ما يفسّر قيادته جهود السلام في ليبيا وتحوّل الجزائر إلى محطة دبلوماسية لبحث الأزمة في هذا البلد العربي المنكوب.
تراجع لهيبة الجزائر
“خلال حكم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، أو قبل ذلك بسنوات”، كانت الجزائر، وفقا للصحفي رياض المعزوزي “لا تملك شيئا من ذاتية الموقف أو القرار، لأن اللعبة كانت بيد فرنسا، فهي التي كانت تفرض منطق عدم التدخل في شؤون البلدان الداخلية، لما يخدم طبعا مصالح باريس بدول الساحل الافريقي وشمال القارة والمغرب العربي،” وفق قوله.
من جهتها، تقول الأستاذة في الجامعة الجزائرية سلمى ربيعي لنون بوست، “لاحظنا في السنوات الخمس الأخيرة تراجعا لهيبة الجزائر.” وأرجعت ربيعي ذلك إلى أن الجزائر كانت يحكمها رئيس مقعد، و ليس هو من كان يسير شؤون البلاد بل كان شقيقه سعيد من يفعل ذلك، إضافة إلى أن العصابة الحاكمة في فترة العهد البوتفليقي كانت تسير من طرف باريس.”
يعود تراجع مكانة الجزائرية الإقليمية أيضا إلى تراجع المنظمات الإقليمية التي تنتمي إليها، وهي أساسا الجامعة العربية التي قُبرت ودخلت في سبات دائم، واتحاد المغرب العربي الذي ولد ميتا إلى جانب الاتحاد الإفريقي الذي تصادر بعض الدول قراراته، الأمر الذي أدّى بالجزائر إلى الانكفاء الداخلي.
المكانة الإقليمية التي اكتسبتها الجزائر بفضل كفاحها من أجل الاستقلال ومساعدة حركات التحرر في إفريقيا، تراجعت بصفة ملحوظة في السنوات الأخيرة نتيجة سياستها الاقتصادية الانعزالية وتواري قادة البلاد عن الأنظار وغيابهم عن المنتديات الدولية.
لذلك، نلاحظ أن الأدوات القديمة للدبلوماسية الجزائرية التي ترتكز على إرث بريق حرب التحرير والمساعدات الاقتصادية والإنسانية المباشرة المقدمة للدول الإفريقية قد وهنت وخفت بريقها، فدول العالم ابتكرت آليات جديدة لدعم نفوذها.
تغييرات كبرى
الصحفي الجزائري رياض المعزوزي، بدأ يرى تغيرا ملحوظا في سياسة بلاده الخارجية، خاصة “بعد الأزمة التي حدثت بين المخابرات والمؤسسة العسكرية وسياستها المستمدة من فرنسا، والتي بدأ يقطع دابرها عن المشهد من خلال توجيه الرؤى المستقبلية نحو محور روسيا والصين، وتغبيب باريس عن كل الفعاليات منذ تولي الرئيس الجديد عبد المجيد تبون الحكم.”
التغيير في سياسة الجزائر الخارجية، بدأ يتضح أيضا بعد نجاح الحِراك الشعبي في الإطاحة بنظام عبد العزيز بوتفليقة وتقديم رموز الفساد للمُحاكمة، وانتخاب رئيس جديد، وتشكيل حُكومة جديدة تعهّدت بإتباع نهج مغاير على الذي سبق، وفق سلمى ربيعي.
هذا التغيير في بوصلة الدبلوماسية الجزائرية في علاقاتها مع الدول جاء ليثبت للجزائريين، وفق رياض المعزوزي، “حسن نية السلطة الراهنة التي تريد الاستقلال في ذاتية القرار عن فرنسا بالدرجة الأولى واثبات مكانتها الإقليمية.”
بدورها أكّدت الأستاذة الجامعية سلمى ربيعي أن الرئيس تبون يسعى لإرجاع الجزائر إلى مكانتها الإقليمية التي اكتسبتها منذ عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، وفقدتها في السنوات الأخيرة نتيجة الأسباب التي تمّ ذكرها سابقا.
وأوضحت محدّثتنا أن “الجزائر تحتل مكانة مهمة على الصعيد المغاربي والإفريقي، فهي رقم مهم في المعادلة الإقليمية، لعدة اعتبارات منها، أنها اكبر دولة في إفريقيا، كما أنها بلد يمتلك ثروة نفطية مهمة، و كذلك تعتبر بوابة إفريقيا نحو أوروبا، إضافة إلى كونها دولة تحضى باحترام الجميع، وتملك جيش قوي مجهز بآخر الوسائل الحربية.”
البوابة الليبية
هذا النهج الجديد، بدا واضحا، وفق المعزوزي، من خلال “عقد السلطات اجتماعا لمجلس الأمن الأعلى لدراسة الوضع في ليبيا وهو المجلس الذي لم يعقد منذ 15 عاما، أي منذ الهجوم الإرهابي على حقل تيغنتورين الغازي، إضافة إلى الإنزال الدبلوماسي المكثف الذي مثل أكثر من سبعة دول وانتهى بالمشاركة في منتدى برلين الدولي حول ليبيا وعقد اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي.”
يضيف محدّثنا، “تجلى التغيير أيضا من خلال مخاطبة الجزائر بلهجة قوية المجتمع الدولي ومجلس الأمن لتحمل مسؤولياته فيما يحدث في طرابلس، بعدما اعتبر العاصمة الليبية خط أحمر، كما لمح وزير الشؤون الخارجية بوقادوم إلى إمكانية رفع اليد أمام الأطراف الفوضوية في ليبيا إشارة إلى خليفة حفتر المدعوم أصلا من فرنسا.”
يسعى النظام الجزائري الحالي أن تكون بلاده حجر الارتكاز في المنطقة، التي تميزها “الأزمات”، فهو يبحث عن صناعة الاستقرار في دول المنطقة حتى لا يكتوي بنارها
كل هذه المؤشرات، يقول رياض، إنها “توحي بتحرك كبير لعودة الجزائر لمكانتها العربية والإفريقية، والدولية، والأكيد أن الملف الليبي هو بداية هذه العودة، وقد أصبح الجميع يعود إلى الجزائر لاستشارتها وإشراكها في أي خطوة في خصوص ليبيا.”
يذكر أن رئيس حكومة الوفاق الليبيّة المُعترف بها دوليًّا فايز السراج، كان أوّل زائر للعاصمة الجزائريّة في عهد رئيسها الجديد عبد المجيد تبون على رأس وفد كبير يضم وزيريّ الداخليّة والخارجيّة، كما زارها وزير الخارجيّة التركي مولود جاويش أوغلو، ومن المتوقع أن يزورها أيضا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بعد غد الأحد.
إكراهات وراء هذا التغيير
أجبرت التطورت الراهنة السلطات الجزائرية الجديدة على إتباع هذا النهج، وفق سلمى ربيعي، “فالجزائر تعيش وسط جبهات صراع متعدّدة، من جهة مع الحدود الليبية و كذلك مع الحدود المالية، فهي ليست في منأى عن الخطر، وأي انفلات أمني على الحدود سيعصف بالجزائر.”
وتعيش الجارة الشرقية للجزائر ليبيا على وقع حرب دموية بدأها اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ سنوات للسيطرة على البلاد وفرض نظام عسكري هناك، تنفيذا لأجندات الدول الداعمة له والساعية للاستئثار بخيرات ليبية الباطنية.
كما تعيش جارتها الجنوبية مالي أزمات عدّة منذ سيطرة جماعات مسلحة على شمال البلاد وسعيها للانفصال وتدخّل الجيش الفرنسي هناك بحجة مساعدة السلطات المركزية في مالي في نشر الأمن وفرض الاستقرار في البلاد (غايتها عكس ذلك، فهي تريد فرض سيطرتها على مدخرات البلاد الباطنية).
وترى سلمى أن “الأوضاع الإقليمية المتأزمة هيا من تفرض على الجزائر لعب أدوار مهمة في المنطقة، لأنه إذا حصل العكس فإن النيران المشتعلة عبر حدودها ستمتد إليها لا محالة، فهي تسعى إلى حل الأزمة الليبية وأزمة شمال مالي لأن أمن الدول المجاورة هو أمن الجزائر.”
يسعى النظام الجزائري الحالي أن تكون بلاده حجر الارتكاز في المنطقة، التي تميزها “الأزمات”، فهو يبحث عن صناعة الاستقرار في دول المنطقة حتى لا يكتوي بنارها وترجع عليه وبالا، وتشتت تركيزه عن معركة التنمية في داخل البلاد.