انتهازية “الإخوان” والحركة الإسلامية في السودان
منير أديب
خبير في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب الدولي
تتمتع حركة الإخوان المسلمين منذ نشأتها في ربيع عام 1928 بانتهازية لا يمكن أن تخطئها العين، هذه الانتهازية يمكن أن تراها في تحالفات الجماعة بمصر في العقد الأول من عمرها على يد مؤسسها الأول حسن البـــنا، في علاقتهـــا بالقصر وعلاقتــها بحزب الوفد ومن بعـــده الأحــزاب الأخرى، ثم علاقتهــا المتأرجحة برجال ثورة يوليو عام 1952، فهم يتظاهرون بالديمقراطيــة والتعددية ثم سرعان ما ينقلبون عليها وسريعًا.
فما تحالفت الجماعة مع حزب أو تيار إلا وانقلبت عليه، فهي في خصومه على أي أفكار لا تُعبر عنها، هي تتحالف مع غيرها من أجل الوصول إلى أهدافها غير المشروعة، وهنا تنقلب الجماعة على نفسها وغيرها، كما تنقلب على حلفائها.
لا شك أن تجربة الرئيس السوداني المعزول، عمر البشير، كاشفة، خلال ثلاثين عامًا؛ لما تتمتع به الحركة الإسلامية في السودان أو جماعة الإخوان المسلمين على مستواها المحلي في الداخل أو التنظيم الدولي للجماعة، فضلًا عن أن التنظيم كثيرًا ما يتمتع بالغدر، ويخلق مبررات لهذه الصفة بين أصحابه ورفقاءه، وقد وجدنا البشير مثالًا يقوم بسجن بعض رفقاء دربه، كما وجدنا النظام الخاص للإخوان أو ذراعها العسكري يغتال السيد فايز في الأربعينات من القرن الماضي، أحد قادة هذا النظام، لمجرد الاختلاف معه.
للإخوان المسلمين مقوله شهيرة في صحيفة “الإخوان” عام 1935، عبرعنها أحد كتابهم وقادتهم وكان يسمى، محمد الشافعي، حيث قال: الشيوعية أخطر من التبشير، وهو ما يؤكد أن الجماعة في خصومه مع كل الأفكار، وأن لديهم مشروع فكري قائم على الاستقطاب ومخاصمة ما عاداه من أفكار أخرى، وهذه الخصومة أبدية ووجودية، فلا يؤمن الإخوان المسلمين بمجاورة الأفكار أو تصالحها أو منافستها.
تستخدم الجماعة الديمقراطية سلم من أجل الصعود عليه، حتى إذا ما صعدت هذا السلم، رفعته تمامًا من أجل ألا يبقى غيرها في السلطة أو يصل إليها، وألغت المؤسسات الديمقراطية مستبدلة إياها بمؤسسات شورية تُعبر عن أفكارها المتسلطة.
ولعل هذه الصورة كانت واضحة وجلية في زاويتين أحدهما عندما طلب المرشد الأول للإخوان المسلمين، حسن البنا، من السكرتير الأول للسفارة الأمريكية في القاهرة، فيليب إبرلاند، في العام 1947، بإنشاء مكتب مشترك بين الإخوان والأمريكان لمكافحة الشيوعية، وكان ذلك أثناء الحرب الأمريكية الباردة مع الاتحاد السوفيتي.
وهنا لا مانع لدى التنظيم من التحالف مع الأمريكان من أجل مواجهة الشيوعية، فقد يتغاضى الإخوان المسلمين عن أي انفلاتات أخلاقية بين أعضائها غير أنها لا تقبل أي تجاوزات فكرية، فالأفكار أخطر عليهم من أي شيء أخر بين أعضائهم، فما بال ذلك إذا كان مع الأخرين المختلفين، وهنا حولوا الاختلاف في العقيدة وليس في السياسة.
الزاوية الثانية التي يمكن أن نقرأ منها مخاصمة الإخوان المسلمين غيرهم لحد الفجور، عندما مكنّ عمر البشير، تنظيم الإخوان المسلمين وما أطلق عليه الحركة الإسلامية من كل مفاصل الدولة في السودان، وأنشأ بيوت الأشباح لمعارضيه، فضلًا عن إعدام 28 ضابطًا بعد أقل من عام من توليّ البشير للحكم، وتحديدًا في العام 1990 وفي شهر رمضان الكريم، وكأنه كان يقوم بقتل هؤلاء تقربًا إلى الله.
هؤلاء تجار دين، لا شك في ذلك، فشلوا في إدارة الحكم، وحكموا أوطانهم بالكذب والظلم حتى وصل الفساد لكل أركان الدولة بلا استثناء، فضلًا عن ذلك قتلوا الناس بدم بارد في كل مكان عندما بدأت تُعبر عن نفسها في شوارع السودان الموجوعة قبل عام وخلال ثلاثين عامًا من الحكم، هؤلاء هم من أطلقوا شعارهم، هي لله لا للسلطة ولا للجاه، وصلوا للسلطة باسم الله وقتلوا الناس في شهر رمضان باسم الله أيضًا.
مشروع الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية في السودان كان ومازال قائمًا على العنف، مارسه التنظيم عبر صور كثيرة ووفرت بيئة خصبه لاحتضانه حتى أوصل السودان إلى وضع لم يعد الناس يطيقونه حتى خرجوا مطالبين بالتغيير أملًا في مستقبل أفضل.
مشروع عمر البشير والذي أطلق عليه البنيان المرصوص، والذي يرى فيه أن كل أعضاء الحركة هم مجرد جنود يُقاتلون على السمع والطاعة، فكل واحد منهم يسمع ويطيع في المكره والمنشط، على الحياة والموت، فدولة الإخوان المسلمين قامت على الانتهازية والفساد، وهنا الأزمة لم تكن في الإخوان فقط، وإنما في مشروعهم الفكري والسياسي.