24/11/2024

بوابة السـودان

صحيفة إلكترونية مستقلة

السلام هو المخرج من توحش القوة

فاطمة غزالي صحفية مقيمة في الولايات المتحدة

قضية السلام في السودان تعد من أهم القضايا التي تفرض على الطرفين الحكومة المدنية الانتقالية والحركات المسلحة التعاطي بروح المسؤولية، والإيمان بحق الشعوب في الحياة وتحريرها من الخوف، وحمايتها من توحش القوة والأفعال السادية التي تقسو على الإنسان حد التلاشي. إن قضية السلام تعدُ مختبراً حقيقياً لمدى الإلتزام بشعارالثورة (حرية سلام وعدالة) الذي يمثل روحها ، ويترجم مبادئ الثوار الذين ضحوا بالمهج والأرواح من أجل أن يكون التغيير أمراً واقعاً ومعاشاً.

أحداث العنف التي شهدتها مدينة الجنينة وأدت إلى وقوع عدد من القتلي والجرحى تتناسب عكسياً مع انفعالات واشواق وآمال ضحايا الحروب التي وضعت عبء على عنق الحكومة المدنية، ولا شك أن سقوط النظام جعل أعين ضحايا الحرب تبرق فرحاً، وقلوبهم تتشوق للسلام ليمشي بينهم، إلا أن تباعد المسافة بينهم والسلام بعد سقوط النظام خلق نوعاً من القلق التوتر هزم تلك الفرحة في دواخلهم. في عهد النظام البائد معلوم أن النية في تحقيق السلام تكاد تكون معدومة لأنه نظام عاش على خلق الأزمات ،فما الذي يعجزالحكومة المدنية من إبتكار طرق وأساليب جديدة تخلق فضاءا تحلق فيه حمامات السلام وهي الحكومة التي جاءت محمولة على الثوار، وليس هناك ما يجعها تقف حائرة أمام مواجهة تحديات إكمال عملية السلام مادام ممثلي الحكومة هم رفاق نضال لحملة السلاح كما قال رئيس الوزراء الدكتورعبدالله حمدوك ، وهو يدرك مطلوبات ومطالب حملة السلام الذين ينادون بشكل جديد يحكم الدولة السودانية بما يضمن المواطنة المبنية على الحقوق المتساوية للجميع في إطار حقوق الإنسان الني كفلتها الأديان والشرعة الدولية والقوانين الإنسانية .
إذا صدقت النوايات يمكن للحكومة المدنية ببراعة أن تحدث تحولاً جذرياً في قضية السلام بابعاد أجندة الحرس القديم للنظام البائد، وخلق تفاهمات موضوعية لطي سجل الحرب ، ووضع حد لقتل المواطنيين الأبرياء الذين تناقصت مناعتهم في مواجهة العنف الذي مورس عليهم لسنوات ليست بالقليلة في عهد نظام البشير العنصري.السلام مسؤولية الجميع أيّة خطوة من شأنها أن تضع لبنة للسلام في مناطق الحروب ستمنح الحكومة الانتقالية وحملة السلام ثقة مواطني المناطق المحروبة في جدية الطرفين للمضي في تحقيق السلام ، الكل يعلم أنّ طول أمد الحرب لا يعني سوى استمرار دوران عجلة الأزمات وخاصة الإنسانية التي تتمظهر ملامحها في القتل والتشريد والنزوح واللّجوء.

إن مساندة خطوات السّلام الشامل الحقيقي ضرورة يفرضها في الحياة، فالذين تتلقفه القنابل والمدافع بدون إثم ارتكبوه لا ينبغي أن يكونوا محل مساومات سياسية فإن المفاضلة بين الحق في الحياة والكسب السياسي معدومة إذاً لابد لجميع الأطراف أن تسمو فوق الكسب السياسي وأن يرتفع حسها الإنساني بشأن ملف الحرب التي يدفع فاتورها الهامش مسرح القتل وفقاً لواقع الأزمة السّودانية فبدأت الحرب بالجنوب الذي فر بجسده هارباً من المركز ليؤسس دولة بعيداً عن التّهميش، مروراً بدارفور التي حركت مأساتها كل العالم حينما عكس الإعلام ما فعلته الحرب بأهلها، ووقوفاً بمحطة الحرب بولاتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق اللتان أزعجت تقاريرها المنظمة الأممية والضّمير العالمي بسبب الصور والمشاهد البشعة التي عبّرت عن مدى الوحشية في حرب جبال النّوبة ولا شك في أنّ ضحايا الحروب يتطلعون إلى يوم تصمت فيه أصوات الرّصاص ويسكت فيه دوي المدافع من أجل العيش بسلام وإلى أنّ يتحقق هذا الحلم سندفع بأيّة خطوة تتجه نحو السّلام ولا نموت في هذا الدّرب إلا وقوفاً كما الأشجار.