البرهان و(السرية ) و( تهميش ) الحكومة وقوى الحرية
محمد المكي أحمد, مستشار إعلامي مقيم في لندن ومدير مكتب سابق لصحيفة الحياة اللندنية في قطر
منذ اللحظة الأولى التي كشف فيها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو (٣ فبراير ٢٠٢٠) أنه التقى رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان في يوغندا ، شكلت السرية وغياب الشفافية أبرز عناوين لتحرك البرهان.
السرية وغياب الشفافية يؤشران الى وجود (طبخة) كان يراد أن تبقى سرية لكن نتانياهو كشفها،فيما لزم رئيس مجلس السيادة والمجلس كله والحكومة وقوى الحرية الصمت لساعات عدة وسط هول المفاجأة، وربما ضياع البوصلة.
بدا واضحًا منذ لحظة الكشف عن (اللقاء السري) أن رئيس المجلس العسكري دخل في ملف ليس من اختصاصه ،وفقا للوثيقة الدستورية التي منحت الحكومة مسؤوليات تنفيذ (إعلان الحرية والتغيير) الذي يشمل سياسة خارجية متوازنة لا مكان فيها لسياسات المحاور.
ورغم توضيحات البرهان بعد يوم من اللقاء الا ان هذا لا يلغي حقيقة أنه انتهك الوثيقة الدستورية و(همش دور الحكومة المدنية)ولم يعر قوى الحرية- وهي الحاضنة السياسية للحكومة وللمجلس العسكري أيضا – أي اهتمام،وأنه بت في قضية هي من صميم مسؤوليات الشعب السوداني بكل قواه السياسية والمهنية والمجتمعية .
التهميش أكدته الحكومة،اذ قالت وزيرة خارجيتها انها علمت بالزيارة من وسائل الاعلام،وبدوره قال وزير الاعلام ان الحكومة لا علم لها بترتيبات الزيارة،أي أنها لا تعلم.
كنت شددت هنا في صفحتي على (فيسبوك) فور تشكيل الحكومة المدنية- في إطار تأكيد دعمي لها- على ضرورة الشفافية وتمليك الشعب الذي صنع الثورة كل المعلومات،واعتقد بان لقاء يوغندا كشف أن التعتيم هو سيد الموقف في بلد ثار شعبه من أجل الحرية ، كي تتدفق وتنساب المعلومات احترامًا للشعب وإرادته السلمية الباهرة.
هذا معناه ان إحاطة لقاء البرهان بالسرية ضرب سمة مهمة من سمات مناخ السودان الجديد، كما مدد رئيس مجلس السيادة صلاحياته لينتزع صلاحيات الحكومة المدنية في وضح النهار.
هذا يضع أعضاء مجلسي السيادة والحكومة و(قوى الحرية والتغيير) امام تحديات كبرى،فإما أن يفرضوا الاحترام لما جاء في الوثيقة الدستورية،او تواصل بعض مكونات (قوى الحرية) مسلسل المناكفات فيما بينها ،وبهذا يتواصل مسلسل تجاوز الصلاحيات وتضمحل هيبة الحكومة المدنية لتكون عرضة للكمات من رئيس مجلس السيادة أو غيره من الأعضاء أو من المتربصين بثورة الشعب .
كان يتوقع من العسكريين في مجلس السيادة أن يضاعفوا جهودهم لحماية الثورة من أعدائها،أعداء الحرية،الذين لفظهم الشعب ،بعدما قتلوا الأبرياء وسرقوا قوت الشعب بأشكال متعددة.
لكن رئيسهم (البرهان) بدأ مسلسل المفاجأت ولا نستبعد مفاجآت أكبر في مرحلة لاحقة إذا لم يتم تحديد المواقف بشكل مبدئي واضح.
لا يكفي أن تصدر قوى الحرية بيانا تعتبر فيه لقاء البرهان نتانياهو (تجاوزًا كبيرًا) ولا يكفي ان تشدد على دعمها لحقوق الشعب الفلسطيني والتأكيد بأن السياسة الخارجية من مسؤوليات السلطة التنفيذية(الحكومة الانتقالية).
مطلوب إيقاف مسلسل الانتهاكات والتجاوزات الصارخة للصلاحيات ،احترامًا لدماء الشهداء والجرحى وضحايا التعذيب وأوجاع أسر المفقودين.
شعبنا كان وسيظل نصير المظلومين،وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني الصابر المكافح.
ثورتنا رفعت شعار(حرية ،سلام،وعدالة).
أي ان الحرية لنا وللفلسطينيين ولكل الناس، السلام لنا وللفلسطينيين ولكل الناس،العدالة لنا وللفلسطينيين ولكل الناس.