المجاعة تهدد ما يزيد على عشرة ملايين نسمة في الصومال بسبب الجراد
أسراب تضم المليارات تغزو شرق أفريقيا في أسوأ تفش مسجل في بعض المناطق منذ نحو سبعين عاما. هذه الموجة التالية التي تهدد ما يزيد على عشرة ملايين نسمة في أنحاء المنطقة بأزمة جوع حادة.
وهي تنمو في واحدة من أكثر المناطق عزلة على ظهر الكوكب. أجزاء واسعة من جنوب الصومال في منطقة بونتلاند (بلاد بونت) التي تتمتع بحكم شبه ذاتي إما واقعة تحت تهديد أو تسيطر عليها حركة الشباب المتطرفة المرتبطة بالقاعدة.
هذا يجعل فكرة رش مناطق ترعرع الجراد جوا – وهو أسلوب السيطرة الوحيد الذي اثبت فعاليته- أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا.
أعلنت الصومال انتشار الجراد حالة طوارئ وطنية.
قال مارك لوكوك منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ التابع للأمم المتحدة إن الانتشار الحالي للجراد يمثل ” التفشي الأكثر تدميرا للجراد في ذاكرتنا المعاصرة إذا لم نسع لتقليص المشكلة بوتيرة أسرع من الحالية”.
فيما وقف شرطي صومالي بالجوار، سار الخبراء في أنحاء المنطقة القاحلة وزحفوا مع الجرادات الصغيرة ليوضحوا طبيعة الخطر القادم إذا لم يتحرك العالم الآن.
يقول ألبرتو تريللو باركا الناطق باسم منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو):” يجب أن يدرك العالم ان الأمر كله يبدأ هنا.. خلال الأسابيع الثلاثة أو الأربعة المقبلة هذه الحوريات، كما نطلق عليها، ستنمو لها أجنحة”.
بعد ذلك يتوقع أن تطير إلى كينيا وإثيوبيا المجاورتين، حيث ترش عدة طائرات مبيدات حشرية لا يمكنها فعل الكثير إذا تواصل تدفق هذه الأسراب.
أشار خبراء المناخ إلى أن أحد عوامل الأساسية وراء تفشي الجراد يكمن في هطول أمطار غزيرة بشكل غير معتاد مدفوعا بإعصار قوي قبالة سواحل الصومال في ديسمبر/ كانون أول الماضي.
الجراد حملته رياح الإعصار من شبه الجزيرة العربية ومناطق أخر أبعد والآن تتغذى على النباتات في الصومال.
وفي ظل توقع هطول المزيد من الأمطار في المنطقة خلال الأسابيع المقبلة، فستزيد أعداد الجراد إلى نحو خمسمائة ضعف بحلول يونيو/ حزيران المقبل- حيث ستكون الأجواء أكثر جفافا- إذا لم تتم السيطرة عليه.
غير أن الأجواء الجافة ليست هي الحل بالضرورة، بحسب دومينيك بورغون مدير الطوارئ في فاو.
وأضاف أن حجم الجراد الآن كبير للغاية لدرجة أن الرطوبة الطبيعية قد تؤدي إلى ظهور جيل جديد.
وحذر “لا يمكننا الاعتماد على الطبيعة في حل تلك (الأزمة).. دون رش مبيدات بشكل كاف لوقف الأسراب، فإن ذلك الانتشار الذي يثير القلق قد يتحول إلى طاعون، وعندما يكون هناك طاعون، يستغرق الأمر سنوات للسيطرة عليه”.
بعيدا عن هذا المنظور، ثمة عمال ملثمين يرتدون بزات بيضاء واقية ويحملون حاويات مبيدات على ظهورهم يقفون هناك في صحراء الصوامل التي لا تذرعها سوى الإبل، يرشون الجرادات المتشبثة بالشجيرات الشائكة.
يقول خبراء المناخ إن مناخ العالم المتغير يتسبب في زيادة وتيرة الأعاصير القادمة من المحيط الهندي الدافئ قبالة شرق أفريقيا، ومع تلك الأعاصير تزداد احتمالات انتشار الجراد.
وقال بورغون “سيكون أمرا عاديا جديدا”.
وهذا يعني أن كينيا وإثيوبيا ودول أخرى في شرق أفريقيا التي نادر ما شهدت موجات انتشار أسراب الجراد هذه وفوجئت بأنها غير مستعدة لها، قد تجد نفسها بين “دول خط المواجهة” في أجزاء من غرب أفريقيا والشرق الأوسط، بحسب الخبراء.
هذه الدول لديها نظم رصد ووقاية مدربة جيدا على التعامل مع انتشار الجراد بصور متكررة.
قال بورغون إن الفاو طلبت من المانحين الدوليين تقديم 76 مليون دولار على الفور للسيطرة على موجة انتشار الجراد الحالية، وحتى الآن ام يصلها سوى 19 مليون دولار.
وقال باركا “التحدي الأكبر هو حجم التكاثر كما نرى في كل مكان حولنا” مضيفا أن هذه الجرادات سوف تهاجر إلى جنوب الصومال وأجزاء من كينيا وإثيوبيا وقت ظهور براعم النباتات هناك.
وقال بورغون ” إذا كانت هناك أعداد ضخمة من الجراد في ذلك الوقت، فسيكون أثرها على المحاصيل مدمرا”.
دول أخرى في شرق أفريقيا منها أوغندا وجنوب السودان وإريتريا وجيبوتي عرضة للخطر بحسب بورغون.
ملايين الأشخاص في بعض هذه البلدان يواجهون خطر مجاعة بالفعل في أعقاب حرب أهلية أو تحديات أخرى أكثر شيوعا مثل الفقر.
هنا في المناطق الزراعية والرعوية من الصومال، حيث يعتمد خمسين بالمائة تقريبا من السكان على الحيوانات كسب قوتهم، فإن الجراد يلتهم المراعي.
وقال الخبراء إن الحيوانات تضعف وألبانها تقل والصغار الذين يعتمدون على تلك الألبان يعانون من سوء تغذية حاد.
وقال بورغون إن أولئك الذين يحاربون الجراد قد يحاولون التفاوض مع المتطرفين الصوماليين كي يسمحوا لهم برش المبيدات في المناطق الزراعية والرعوية التي ينشطون فيها.
حذر كيث كريسمان، كبير مسؤولي التنبؤ بسلوك الجراد لدى فاو، من أن الجراد الصغير ستنمو له أجنحة في غضون أسابيع قليلة.
“الامر يستغرق أياما قليلة لتدريب أجنحتها.. بعدها بعض تجارب الطيران ثم تنطلق”.
الجراد في هذه المرحلة يكون لونه قرمزي وفي أكثر مراحل حياته ضراوة مثل “مراهق يشعر بجوع شديد” بحسب كريسمان.
وبعد شهر أو نحو ذلك، تصل الجرادات لمرحلة النضج ومستعدة للتكاثر.
وقال كريسمان إنه بمجرد انتهاء الجراد من عملية التكاثر ووضع البيض ينفق “لكن ذريته سوف تفقس لنواجه جيلا جديدا من الجراد، لكن هذه المرة بزيادة في أعداده تبلغ عشرين ضعفا”.