03/12/2024

بوابة السـودان

صحيفة إلكترونية مستقلة

ماذا تعرف عن الصابئة أتباع النبي يحيى بن زكريا؟

تسنيم فهيد

على الرغم من أن “الصابئة” ذُكروا في القرآن الكريم صراحة وفي أكثر من موضع، فإن الكثير من المسلمين لا يعرفون شيئًا عن هذا الدين التوحيدي ولا عن أتباعه أو وجودهم في العالم العربي، رغم أن وكالات الأنباء العالمية أشارت إلى وجودهم في العراق بعد سقوط بعض مدنها في أيدي التنظيم الإرهابي “داعش”، وطرد جنود التنظيم للمسيحين وقتل الصابئة والإيزيدين، وسبيّ بناتهم ونسائهم وتشريد من تبقى من أطفالهم وكهولهم إلى الجبال.

ماذا تعرف عن الصابئة المصطبغين بنور الحق والتوحيد؟

الصابئة أصحاب أقدم وأول الأديان التوحيدية على الأرض


الدين الصابئي أقدم وأول دين توحيدي حنيف عُرف على الأرض، يتبع الصابئيون أنبياء الله “آدم” ثم “شيتل بن آدم” و”نوح” و”سام بن نوح” و”إدريس” عليهم السلام، وآخر أنبيائهم “يحيى بن زكريا” عليه السلام، وكانوا في البداية منتشرين في بلاد الرافدين وفلسطين، ولا يزال بعض أتباع هذا الدين موجودين في العراق، كما أن هناك بعض الصابئة في الأحواز.

ويُطلق عليهم في اللهجة العراقية “الصبّة”، وكلمة الصابئة مشتقة من “صبا” والتي تعني باللغة المندائية “اصطبغ” أو “غطس في الماء”، حيث إن الغطس في الماء/التعميد، أحد أهم شعائرهم الدينية، حيث تعني الصابئة حسب معتقداتهم “المصطبغين بنور الحق والتوحيد والإيمان”.

وبالنظر إلى تعاليم هذه الديانة وأركانها نكتشف أنها أقرب الديانات إلى الدين الاسلامي، حيث تدعو الديانة الصابئية للإيمان بالله ووحدانيته إيمانًا مطلقًا، فلا شريك له واحدٌ أحـد.

وتتكون أركان الديانة الصابئية والتي تُعرف أيضًا بـ”المِندائية” من 5 أركان أساسية هي:

1. التوحيد بالحي الأزلي واحد أحد (سهدوثا أدهيي) 2. الصباغة والتطهر أو التعميد (مصبتا وطماشا) 3. الوضوء والصلاة (أرشاما وأبراخا) 4. الصوم (صوما) 5. الصدقة والزكاة ( زدقا).

كما يُقدّس الصابئيون الكواكب والنجوم ويعظمونها باعتبارها مسكن للملائكة المعصومة، ويُعتبر الاتجاه نحو النجم القطبي والتعميد في المياه الجارية والصوم والصلاة من أهم شعائرهم الدينية.

الصابئة أول من اتبعوا أبا الأنبياء الخليل إبراهيم

جانب من مراسم الاصطباغ بالماء عند الصابئة

آمن الصابئة المندائيون بتعاليم الخليل إبراهيم عليه السلام، واحتفظوا بصحفه ومارسوا طقوس التعميد التي سنها لهم واستمروا عليها إلى يومنا هذا، كما هاجرت مجموعة منهم معه إلى حرّان، وبقت المجموعة الأخرى في العراق.

وقد عرفـوا فيما بعد بـ(ناصورايي اد كوشطا) أي حراس العهد، وهم الذين أسسوا بيوت النور والحكمة  فيما بعد على ضفاف الأنهار في وادي الرافدين لعبادة (مار اد ربوثا) والذي يعني الله ـ رب العظمة، واتخذوا من الشمال الذي دعاه السومريون قبلة لهم لوجود عالم النور “الجنة”.

كما ارتبطت طقوسهم وبخاصة طقوس الغطس والاصطباغ “المصبتا” بمياه الرافدين، واعتبروا نهريها دجلة والفرات (ادگـلات وپـورانون) أنهارًا مقدسة تطهر الأرواح والأجساد فاصطبغوا فيها كي تنال نفوسهم النقاء والبهاء الذي يغمر عالم النور “الجنة” الذي يسعون له.

وكان مفهوم الاغتسال والتعميد في الماء قد ورد في العديد من النصوص المسمـارية، الأمر الذي يدل على تأثر الأديان العراقية في زمان الحضارات البابلية والسومرية والآشورية بالديانة الصابئية المندائية، ودليل على كون الصابئية أقدم الأديان التوحيدية الحنيفة.

أهم فرقهم وشعائرهم الدينية وكتبهم المقدسة

الصابئة المندائية أكبر وأهم الفرق الموجودة حاليًا من الصابئة، ثم يأتي بعدهم صابئة (حرّان) في شمالي العراق وسوريا، حيث كانوا يقيمون في القدس ثم طردوا منها بعد الميلاد، فهاجروا إلى حرّان ثم إلى جنوبي العراق وإيران.

لهم أكثر من كتاب مقدس أهمها: (گـنزاربا المقدس) أي الكنز العظيم والذي يعتقد أنه صحف آدم عليه السلام، وفيه موضوعات كثيرة عن نظام تكوين العالم وحساب الخليقة وأدعية وقصص، وتوجد في خزانة المتحف العراقي نسخة كاملة منه، طبع في كوبنهاجن سنة 1815م، وطبع في لايبزيغ سنة 1867م.

ثم يليه كتاب (دراشة إيهيا) أي تعاليم يحيى عليه السلام، وهو المقصود في قوله تعالى في القرآن الكريم: {يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}، يليهما كتب (سدرة إدنشماثا) ويدور حول التعميد والدفن والحداد وانتقال الروح من الجسد إلى الأرض ومن ثم إلى عالم الأنوار، وفي خزانة المتحف العراقي نسخة حديثة منه مكتوبة باللغة المندائية، (الديونان) وفيه قصص وسير بعض الروحانيين مع صور لهم، (سفر ملواشه) أي سفر البروج وهو لمعرفة حوادث السنة المقبلة عن طريق علم الفلك والتنجيم، كتاب (النياني) أي الأناشيد والأذكار الدينية، وتوجد نسخة منه في المتحف العراقي، كتاب (قماها ذهي قل زيوا) والذي يتألف من 200 سطر وهو عبارة عن حجاب يعتقدون أن من يحمله لا يؤثر فيه سلاح أو نار، تفسير (بغره) ويختص بعلم تشريح جسم الإنسان وتركيبه والأطعمة المناسبة لكل طقس وما يجوز لأبناء الطائفة تناوله.

ويتكلم الصابئة اللغة العربية والآرامية والسيريانية القديمة، لكن كتبهم المقدسة مكتوبة باللغة العراقية الأصلية “المِندائية”، كما يفتتح الصابئة كلامهم بـ”ابْشوميهون أد هيي ربي” وتعني بالعربية بسم الله الحي العظيم.

ويُشترط في رجل الدين الصابئي أن يكون سليم الجسد والحواس، متزوج، منجب، غير مختون، له كلمة نافذة في شؤون الطائفة كحالات الولادة والتسمية والتعميد والزواج والصلاة والذبح والجنازة.

وهم على رتب: الحلالي ويسمى الشماس أيضًا، ويسير في الجنازات، ويقيم سنن الذبح للعامة، ولا يتزوج إلا بكرًا، فإذا تزوج ثيبًا سقطت مرتبته ومنع من وظيفته إلا إذا تعمد هو وزوجته 360 مرة في ماء النهر الجاري.

ثم الترميدة: وهو المرتبة الأعلى من الحلالي، فإذا فقه الحلالي الكتابين المقدّسين سدره إنشماثا والنياني أي كتابي التعميد والأذكار، فإنه يتعمد بالارتماس في الماء الموجود في المندي ويبقى بعدها سبعة أيام مستيقظًا لا تغمض له عين حتى لا يحتلم، ويترقى بعدها هذا الحلالي إلى ترميدة، وتنحصر وظيفته في العقد على البنات الأبكار.

ثم الأبيسق: فالترميدة الذي يختص في العقد على الأرامل يتحول إلى أبيسق ولا ينتقل من مرتبته هذه.

ثم الكنزبرا: فالترميدة الفاضل الذي لم يعقد على الثيبات مطلقًا يمكنه أن ينتقل إلى كنزبرا وذلك إذا حفظ كتاب الكنزاربا فيصبح حينئذٍ مفسرًا له، ويجوز له ما لا يجوز لغيره، فلو قَتل واحدًا من أفراد الطائفة لا يُقتص منه لأنه وكيل الرئيس الإلهي عليها.

ويأتي بعد ذلك ريش الأمة: أي رئيس الأمة، وهو صاحب الكلمة النافذة فيها ولا يوجد بين صابئة اليوم من بلغ هذه الدرجة لأنها تحتاج إلى علم وفير وقدرة فائقة.

وأخيرًا الرباني ولم يصل إليها إلا النبي يحيى بن زكريا عليهما السلام، كما أنه لا يجوز أن يوجد شخصان من هذه الدرجة في وقت واحد، والرباني يرتفع ليسكن في عالم الأنوار وينزل ليُبّلغ طائفته تعاليم الدين ثم يرتفع مرة أخرى إلى عالمه الرباني النوراني.

ودور العبادة في الديانة الصابئية تسمى “المندي”، وفيه تُحفظ كتبهم المقدسة ويجري فيه تعميد رجال الدين، ويقام “المندي” على الضفاف اليُمنى من الأنهار الجارية، ويكون له باب واحد يقابل الجنوب ليستقبل الداخل إليه نجم القطب الشمالي.

التطهير بالماء الجاري

أما الصلاة في الدين الصابئي فتؤدى 3 مرات في اليوم قبيل الشروق وعند زوال الشمس (الظهر) وقبيل الغروب، وتستحب أن تكون جماعة في أيام الآحاد والأعياد وهي من دون سجود.

وقد كان الصوم عند الصابئة على نوعين: الصوم الكبير: ويشمل الصوم عن كبائر الذنوب والأخلاق الرديئة، والصوم الصغير الذي يمتنعون فيه عن أكل اللحوم المباحة لهم لمدة 32 يومًا متفرقة على طول أيام السنة، وذكر ابن النديم المتوفى سنة 385هـ في فهرسته وابن العبري المتوفى سنة 685هـ في تاريخ مختصر الدول، أن الصيام كان مفروضًا عليهم لمدة 30 يومًا من كل سنة.

أما الطهارة فمفروضة على الذكر والأنثى سواء بلا تمييز، وتكون في الماء الحي غير المنقطع عن مجراه الطبيعي، كما تحتاج الجنابة إلى طهارة وذلك بالارتماس في الماء ثلاث دفعات مع استحضار نية الاغتسال من غير قراءة لأنها لا تجوز على جُنب، وعقب الارتماس في الماء يجب الوضوء، وهو واجب لكل صلاة، حيث يتوضأ الشخص وهو متجه إلى نجم القطب، فيؤديه على هيئة تشبه وضوء المسلمين مصحوبًا بأدعية خاصة، ومفسدات الوضوء هي: البول، الغائط، الريح، لمس الحائض والنفساء.

أما أعيادهم، فأشهرها عيد “البروانايا أو البنجة” ويُعرف أيضًا بعيد الخليقة، وتتوافق هذه المناسبة المقدسة مع شهر مارس/آذار الميلادي وهو شهر الربيع والخصب والميلاد لدى العراقيين القدماء، و”البنجة” احتفال ديني أكثر مما هي عيد إذ تجري فيها احتفالية تعميد لكل الصابئة في الماء الجاري وتقام في هذه الأيام الوجبات الطقسية “اللوفاني” على روح المتوفى وتشمل تقديم اللحم والسمك، وكذلك تقدم الصدقات للمحتاجين، ويعتبر الزواج والمعاشرة وشرب الخمر ولعب القمار من المحظورات في هذه الأيام الطاهرة.

 الاحتفال بعيد البنجة عند الصابئة على ضفاف نهر دجلة

وحسب معتقدات الصابئة، فإن هذه الأيام الـ5 البيضاء تجلى فيها الرب وأعلن نفسه في الوجود وانبثقت صفاته وأسمائه في تلك الأيام، حيث انبثقت صفة الحياة في اليوم الأول والعظمة في اليوم الثاني والمعرفة والعلم في اليوم الثالث، أما اليوم الرابع فانبثقت واحدة من صفاته ألا وهي الحق، وفي اليوم الخامس تفجرت المياه الجارية وهي سر من أسرار “هيي قدمايي” ومنها خلق الزمن والسنة المتكونة من 365 يومًا، وكذلك خُلقت عوالم النور من تلك المياه، فهي أيام طاهرة زكية لا تعد من الأيام ولا تدخل في عداد الزمن لأنها أسمى من أن تكون زمن يعد، إنها 5 أيام كأنها يوم واحد لا يشطره ليل، لا ظلام فيه.

ويجدد الصابئة فيها صبغتهم وينحروا ذبائحهم من أجل أن يقيموا الليافة لموتاهم وفيها أيضًا تكرس دور العبادة وتقام الملابس الطاهرة للموتى، ويسمى اليوم الأخير يوم التذكير.

ديانة مسالمة غير تبشيرية

الصابئة ديانة مسالمة وغير تبشيرية، لا يمكن دخول معتنق جديد لها، شعارها اللون الأبيض وتحترم جميع رسل الله وتدعو لوحدانية الله، واعتبرهم مشايخ المسلمين من أهل الذمة لأن جميع شروط وأحكام أهل الذمة تنطبق عليهم، فهم أصحاب أول ديانة موحدة ولهم كتابهم السماوي وأنبيائهم معروفة ومبجلة لدى كل الأديان السماوية، كما ذكروا في القرآن الكريم في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة البقرة، الأية ﴿62﴾.

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة المائدة، الأية ﴿69﴾.

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّـهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ  إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} سورة الحج، الأية ﴿17﴾.

ولكونهم أيضًا لم يخوضوا أي حروب طيلة تعايشهم مع الأديان الأخرى التي تلتهم بالتوحيد، فالإمامان مالك وأبو حنيفة جوّزا مآكلهم ومشاربهم والزواج من نسائهم، أي عاملوهم معاملة اليهود والنصارى، في حين اتخذ الإمام الشافعي منهم موقفًا وسطًا، إذ وضع الصابئة والمجوس في مرتبة غير مرتبة اليهود والنصارى، وقال بأخذ الجزية منهم ولم يجوز مؤاكلتهم والزواج منهم، بينما ذهب فقهاء الحنبلية وبينهم ابن قيم الجوزية على أنهم من أهل الذمة، وجدير بالذكر أن الصحابي الجليل “سعد بن أبي وقاص” كان قد وعدهم بالأمن والأمان حين دخل العراق. 

وامتاز الصابئيون ببراعتهم في الفلك والكيمياء والرياضيات، ومنحهم الرئيس العراقي صدام حسين وسام الطائفة الذهبية، وأشهر العلماء الصابئيون ثابت بن قرة وسنان بن ثابت، أما في العصر الحديث فأبرزهم عالم الفيزياء العراقي عبد الجبار عبد الله، أول رئيس لجامعة بغداد وعالم الفلك عبد العظيم السبتي، وأيضًا الشاعرة لميعة عباس عمارة والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد.

ويُقدّر عدد الصابئة في جميع أنحاء العالم بـ50 ألفًا كان معظمهم في العراق، ولكن بعد الغزو الأمريكي عام 2003، تم تهجيرهم قسرًا إلى المدن الإيرانية المتاخمة للحدود العراقية، ولم يتبق غير 3000 صابئي موزعين بمدن العراق، أما بعد سقوط بعض مدن العراق في أيدي “داعش” في عام 2014، ومحاربتهم لأتباع الديانات الأخرى، فلا يُعرف على وجه الدقة عددهم الحالي.

تأثرهم وتأثيرهم في الحضارات والديانات الأخرى المجاورة لهم 

أحد معابد الصابئة في بغداد

سبق وأن أشرنا أعلاه أن مفهوم الاغتسال والتعميد في الماء، قد ورد في العديد من النصوص المسمارية، الأمر الذي يدل على تأثر الأديان العراقية في زمان الحضارات البابلية والسومرية والآشورية بالديانة الصابئية المندائية، كما أثبت التاريخ أن العرب كانوا يدينون بديانة قريبة إلى الصابئة منذ القرون الأولى، وقد اتخذوا الهياكل وسموها البيوت، وجعلوها معابد يقدسونها ويدينون بها، ويدل على ذلك أنهم كانوا يسمون أنفسهم عبيدًا لها، كقولهم عبد شمس وعبد المشتري وغيرها.

وفي الحقيقة فإن الصابئة المندائيين يرفضون عبادة الكواكب، وعندما نشر المؤلف “عبد الرزاق الحسني” كتابًا عن الصابئة المندائيين، معتبرًا إياهم عبدة كواكب، أثار ذلك حفيظة رجال الصابئين، وقدم الشيخ “دخيل” إلى بغداد يحمل معه كتابهم المقدس الكنز العظيم “كنزاربا”، يتلو منه أمام المحكمة بوجود مترجم يترجم أمام الشهود من السفر المقدس نصًا يرفض عبادة الكواكب ويظهر أنهم يعبدون الله الواحد الأحد.

 الكتاب المقدس لدى الصابئة

وأشار العديد من المؤرخين إلى أن معتقدات الصابئة المندائية برزت لأول مرة في جنوب ما بين النهرين، وذهب هنري لايرد عالم الآثار البريطاني الذي أسهم في الكشف عن الآثار الأشورية إلى أن الدين الآشوري في أيامه المبكرة الأولى وقبل أن تمسه التأثيرات الفارسية وغيرها امتداد للدين البابلي أو الصابئي.

في حين يرى البعض أن الصابئة المندائية تمتد إلى ما قبل ذلك وبالتحديد إلى العهد السومري، وبالمقارنة بين الدين الصابئي والسومري، فكلا الديانتين تعظمان الماء وتضعانه في منزلة عظيمة، كما أن طغيان الماء في الشعائر والطقوس الصابئة المندائية يمثل تمسكًا قويًا بأصل ديني بعيد يعود إلى العهود السومرية، كما يعتقد الصابئة المندائيون أن الإنسان عندما يموت تنقل نفسه إلى العالم الآخر، حيث تحاسب النفس وتوزن أعمالها فإذا كانت الحسنات كثيرة تصعد إلى عالم الأنوار أما إذا كانت السيئات أكثر فإنها تذهب إلى “المطراثي”، وهي رحلة تمر بها النفس بـ7 محطات “عوالم الحساب”، الحالة نفسها التي نجدها عند السومريين، فهم يرون أن الإنسان عندما يموت تذهب روحه إلى العالم الآخر، وتجتاز هذه الروح البوابات السبعة ثم تذهب إلى مستقرها في العالم الأسفل.

كما أن هناك تقليد ديني مندائي يتضمن إطلاق اسم ديني على الصابئي بالإضافة إلى اسمه المعلن، ويستعمل هذا الاسم في طقس التعميد والمناسبات كالزواج والوفاة وغيرها، ويسمى بـ”الملواشة” وهو اسم ديني حيث ينسب الفرد إلى أمه.

الدرفش رمز الصابئة المندائية

نفس التقليد الموجود في السومرية، حيث كان يطلق أسماء على رجال الدين، حيث يعتقد أن ممارسة السحر الأسود أو الضار يسري على الاسم الديني وليس على الاسم المعلن، وكان الكهنة يتحاشون الكشف عن أسمائهم الدينية لكي لا يتعرضوا إلى أخطار السحرة والأعداء، كما أن الديانات الصابئة المندائية والبابلية تقدسان الشمس باعتبارها قوة للخير.

ويلتقي الصابئة المندائيون بالبابليين بلباس التعميد الأبيض “الرستة” لدى المندائيين باللباس الأبيض الذي كان يرتدونه الكهنة في بابل، ويحرم المندائيون حلق اللحى وشعر الرأس كذلك البابليون، رغم أن عامة الصابئة لا يتقيدون بهذا التحريم اليوم، فإن رجال الدين منهم ملتزمون تمامًا بهذا التحريم فيتركون لحاهم وشعر رؤوسهم.  

أما في حالة الوفاة فيعتقد الصابئة أن نفس الميت لا تصعد إلى السماء إلا بعد مرور 3 أيام على الوفاة وخلال هذه الأيام الثلاثة تظل النفس تحوم ما بين القبر وبيت الميت وبعد الأيام الثلاث تأخذ سبيلها إلى السماء، نفس الصورة نجدها لدى البابليين، فروح الميت عندهم تبقى تحوم 3 أيام بعد إيداع جثمانه القبر.

وذكرت الليدي دراور في كتابها “الصابئة المندائيين” ترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي، أن الصابئيين لا يعبدون الأجرام السماوية، لكنهم يعتقدون أن النجوم والكواكب تحتوي على مخلوقات حية هي أرواح ثانوية تابعة لأمر ملك النور “ملكا دنهورا”، وأنها تتحكم في مصائر البشر، ويصاحب هذه الأرواح الخيرة أضدادها من الأرواح الشريرة، ففي فلك الشمس “شامش” ينتصب شامش الخير النافع رمز الخصب والخضرة، ومعه الروح الشريرة المهلك “ادوناي” مع أرواح نورانية حارسة أخرى.

فالصابئيون يوجهون دعاءهم للأرواح الخيرة النورانية فقط وليس لتلك التي تخص عالم الظلام، ويقول المندائيان نعيم بدوي وغضبان رومي واللذان قاما بترجمة الكتاب، أن الصابئة طائفة عراقية قبل أن تكون أي شي آخر، بل إننا كما نشير طقوسها صلة الحاضر بالماضي البالي الأكدي والنبطي في العراق.