رفقا بطلاب الشهادة السودانية يا حمدوك
بقلم محمد شمس الدين
لاصوت يعلو فوق صوت الكارثة التي تضرب السودان هذه الأيام والتي تسببت في تشريد حوالي نصف مليون مواطن جراء انهيار أكثر من مئة ألف منزل وهي احصائية أولية، ولا شك في أن حجم الأضرار التي فاقت كل توقع يستدعي فتح نقاش مباشر وشفاف حول الأسباب وآليات المعالجة والنتائج الكارثية والأخطار البيئية المنتظرة، إلا أن الوقت ليس مناسبا لذلك، والأمر الملح والعاجل الذي يستوجب تصعيده سريعا هو مسألة امتحانات الشهادة السودانية في ظل هذه الظروف الكارثية .
السؤال الكبير الذي يطرح نفسه الآن.. هل من المنطقي أن تقام امتحانات الشهادة السودانية في على المستوى الوطني في هذه الظروف الكارثية ؟
تتذكرون كيف قضى اثنان وعشرون طالبا من المناصير غرقا في ولاية نهر النيل حين انقلب بهم مركبهم في عرض النيل إثر تعطل محركه بسبب الرياح القوية قبل عامين في اواخر عهد النظام البائد.. أولئك الطلاب قضوا نتيجة إهمال السلطات واستهتارها بأرواح الطلاب الذين هم مستقبل هذه البلاد.
لا أفهم أبدا إصرار وزير التربية والتعليم والدولة بأكملها على المخاطرة بأرواح مئات آلاف الطلاب وأهاليهم بهدف عدم تأجيل جدول الامتحان لأيام قلائل.
السيد الوزير يقول أنه على اتصال يومي بالولايات ويؤكد أنه لا يوجد بلاغ واحد يفيد بتضرر مدرسة جراء الأمطار.. لنفرض ان المدارس كلها سليمة حتى الآن بحسب تقارير هاتفية فهل تضمن لنا سلامتها بعد ساعة أو اثنتين أو يوم أو يومين.. ماذا عن الطرق المؤدية لتلك المدارس التي ستشهد الامتحانات .. ماذا عن وسائل النقل التي ستنقل أولئك الطلاب ومعظمهم يصل عبر مواصلات عامة أو مشيا على الأقدام؟
طبعا كلام الوزير الموقر مردود عليه وللأسف الشديد لا بد من مساءلته حيث هناك بيان منشور قبل ثلاثة أيام من تصريحه على قناة النيل الأزرق على وكالة أنباء السودان وهي الوكالة الرسمية للدولة هذا البيان نقلته سونا عن تجمع طلاب الثانويات بولاية سنار ويؤكد البيان أن أعدادا كبيرة من مدارس الولاية تضررت جراء الفيضانات ويطلب من السلطات تأجيل تاريخ عقد الامتحانات ويؤكد رفض الطلاب لإقامتها في هذه المواعيد .. طبعا أقل ما يمكن أن يقال في هذه الحالة أن الوزير غير دقيق فيما يقول وكأنه يكذب هذه التقارير ويكذب الصور، ولكن ماذا عن بقية مسؤولي الدولة المسؤولين عن حياة آلاف مؤلفة .. هل جميعهم لا يصدقون كل ذلك؟
العام الدراسي كله تأثر أصلا بسبب جائحة كورونا وقد اتخذت السلطات قرار التأجيل في مارس الماضي بعد إعلان إصابة ستة أشخاص بالفيروس ووفاة شخصين فقط، والأرقام والحقائق على الأرض والأرقام بأن الكارثة الحالية أودت بحياة أكثر من مئة شخص وإصابة العشرات ومحاصرة مئات الآلاف المشردين .. فلم لا يتخذ قرار بإعادة النظر في تاريخ انطلاق الامتحانات في هذا الظرف الكارثي بالطريقة التقليدية التي تتطلب حضور الممتحنين إلى مراكز الامتحان، والتي حتما ستعرضهم جميعا لكل الأخطار في هذا الجو المتقلب والرياح العاتية والسيول الجارفة.
هناك من يتطلب وصوله إلى مراكز الامتحانات عبور النيل الذي هو في حالة هيجان شديد .. هناك من هو محاصر منذ أكثر منذ عشرة أيام في أحياء وقرى كثيرة بسبب الفيضان ولم يعد يتمكن من الحصول حتى على ماء الشرب.
بالله عليكم أي عقل عند الطلاب والطالبات سيتحمل التفكير فيما ينتظرهم و يمكنهم من التركيز في امتحانات تحدد مستقبلهم.. في الظروف الاعتيادية هم يعانون من انقطاع الكهرباء فمابالك الان وقد انقطعت عن حوالي نصف مليون شخص مياه الشرب والطعام وفقدوا المأوى منذ أيام.. ألن يشغل ذلك بال من لم يتعرض لما تعرض له أقاربه.. أصدقاؤه.. جيرانه؟
الصور التي ترصد الكارثة يوميا توضح جليا كيف أن الطلاب جميعا في الشوارع ينخرطون على مدار الساعة في حملات إنقاذ مايمكن إنقاذه من حيوات وممتلكات.. فمتى سيجدون الوقت للمذاكرة والمراجعة قبل الامتحانات.
اللهجة التي يتحدث بها مسؤولوا التعليم في الدولة فيها استهتار واستخفاف شديد بحياة الطلاب وبأهمية هذه الامتحانات.. وكأن مسألة انجاز الامتحانات عبئ لا يقبض مقابله الوزير مقابلا ماديا يكافئ تعبه فهو يسعى الى التخلص منه بأسرع وقت.
أرجو أن تطرح هذه الأسئلة على جميع المسؤولين في الدولة وأن يسمع ويرى الجميع إجابات عليها
ماهو رأي مجلس الدفاع الوطني في هذه المسألة الحساسة التي تطال حياة مئات آلاف الشباب والشابات وأهاليهم..
هل قدمت الجهات الأمنية والدفاع المدني خطة تجعل أعضاء مجلس الأمن والدفاع الوطني مطمئنين لإخراج الطلاب من منازلهم – أو من خيامهم لمن تعرض منزله للانهيار
هل اطلع مجلس الدفاع الوطني على تقارير توضح وضع مراكز الامتحانات في عموم البلاد وطرق الوصول إليها واحتمال تعرضها للسيول من عدمه.. وحاجة بعض الطلاب لعبور الانهار من عدمها؟
ماذا عن تقارير الأرصاد الجوية والسودان لايوجد به سوى خمس محطات فقط لقراءة حالة الطقس والرياح وهي محطات قديمة ومتهالكة أصلا.
هل لدى مجلس الدفاع الوطني خطة محكمة لإنقاذ كل شخص فيما لو تعرض للخطر؟
ماذا عن حالة الطوارئ التي تم إعلانها لثلاثة أشهر.. ما هدفها إن لم تكن ستحمي حياة الطلاب؟
ماذا عن المجلس التشريعي المؤقت الذي يفترض أنه يقوم مقام المجلس التشريعي الذي كان سيقرر نيابة عن الشعب ويضغط على الحكومة..
ماهو رأي رئيس الحكومة عبد الله حمدوك وماهو رأي مجلس السيادة وما هو رأي قوى الحرية والتغيير في الأمر؟
هل استفتيتم الطلاب وأهاليهم إن كانوا موافقين على القبول بهذا القرار المحفوف بالخاطر؟
من سيحاسب الدولة فيما لو تعرض روح طالب أو طالبة للخطر بسبب الإصرار على إقامة الامتحانات في هذه الظروف الخطيرة ؟
ألا تهتم الدولة بمعدلات نجاح الطلاب ومستويات أداء الطلاب الممتحنين؟
من أين ستوفر الدولة المصروفات التي ستتضاعف في هذه الظروف لتأمين إيصال الامتحانات ومراقبتها وهي تنشد العون الانساني العاجل بسبب عدم توفر الامكانات؟
الحلول شبه منعدمة فلا خطط بديلة كأن تقام الامتحانات عن بعد على الانترنت مثلا بأنظمة متطورة بالتعاون مع شركات الاتصالات عبر مجانية الانترنت للجميع في ايام الامتحانات.. للأسف ذلك لم يكن في حسبان أحد .. وتلك في تقديري هي الحالة الوحيدة التي كان للوزير ان يتحدث فيها بتلك الثقة المفرطة التي هي في غير محلها بكل تأكيد.
كما أن هناك خشية من أن تفشل خطة امتحانات هذا العام بعد التكاليف التي سيتم اعتمادها ثم في حال التعويض في موعد لاحق ستتحمل الميزانية منصرفات استثنائية أخرى عدى الخسائر التي نسأل الله أن يبعدها عن الأرواح والتي لا تقدر بثمن .
الحل في التأجيل ويجب أن يأتي القرار من رئيس الحكومة أو من مجلس الدفاع الوطني وإلا فلا يلومن أحد إلا نفسه إذ لا حصانة سوف تحمي أحدا من المحاكمة فيما لو فقدنا روح طالب واحد.. فالجميع سيتحمل العواقب..
ألا هل بلغت .. اللهم فاشهد