قراءة سريعة لفوز بايدن ومآلات علاقة الولايات المتحدة مع السودان
السفير نصرالدين والي
فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة، وهو الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، علامة فارقة في التاريخ الأمريكي، وذلك لأسباب عدة، من بينها؛ ، أن إمراة من أصول إِفريقية وجنوب شرق آسيا تتقلد منصب نائب الرئيس في إدارته وكذلك اكتساح بايدن لولايات عديدة ذات ثقل جمهوري، وفوز بايدن بولايات هامة تاريخياً تتبع للجمهوريين وتصوت لهم، (وإن فاز بايدن في الثلاثة ولايات المتبقية، جورجيا، وكارولينا الشمالية، وأريزونا؛ فسيحقق فوزاً تاريخياً لا مثيل له، فولاية جورجيا لم تصوت لرئيس أمريكي من الحزب الديمقراطي منذ ٢٨ عام، وولاية أريزونا لم تصوت لرئيس أمريكي من الحزب الديمقراطي منذ ٢٦ عام).
وقوة بايدن أيضاً تتجلى في فوزه علي Sitting President، وهو الرئيس الأمريكي الرابع فقط في تاريخ الولايات المتحدة (One-Term President) برغم شعبية ترامب الكبيرة في الولايات المتحدة. كما يعتبر بايدن أول مرشح رئاسي أمريكي يفوز بأعلى نسبة من ال Popular Vote في تاريخ الولايات المتحدة، كل ذلك يجعل فوز بايدن-هاريس تاريخياً بمقاييس السياسة في الولايات المتحدة.
السياسة الخارجية والسودان في عهد ترامب.
التحديات التي تنتظر بايدن جسيمة وضخمة ومتعددة، داخلياً وخارجياً، وستبدأ من يومه الأول، ولكن ما يهمنا ويعنينا هو توجه سياسته الخارجية. ومعلوم أن لكل حزب رؤية لسياسة الولايات الأمريكية، ووسائل تنفيذ لتلك السياسة. وفي شأن السودان، فالجمهوريين تحت رئاسة ترامب لم تكن لهم سياسة محددة تجاه السودان، ولنقل لم يحظ السودان وقضاياه بأي أهمية في صلب السياسة الخارجية للولايات المتحدة التي لم تكن هي الأخرى محل إهتمام خاص لترامب. كما لم يبد أو يرغب الجمهوريين أيضاً في أي تقارب سياسي مع السودان طيلة الفترة الرئاسية لترامب، ولم تلتفت الإدارة إلي السودان إلا عندما حانت حاجتها لإحداث تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية من شأنها تحقيق مصلحة محددة.
و ذلك عندما احتاجت وسيلة لتمرير أجندتها السياسية المتمثّلة في دعم إستقرار إسرائيل بإلزام السودان بإقامة علاقات مع إسرائيل. وربط ذلك بإزالة إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وإن كان هذا التقارب المرحلي في تقديري، قد صَب في مصلحة السودان، أولاً بإزالة إسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وازالة أكبر الضغوط السياسية على مر التاريخ عن كاهل البلاد، وثانياً، واقع الأمر يشير انه ليس للسودان عداء منهجي نحو إسرائيل.
وثالثاً أن إنشاء علاقة مع إسرائيل سيصب في النظرة الكلية لتحقيق مصلحة السودان العليا بالاندماج في المجتمع الدولي، وسيفتح الباب للسودان للانضمام لاتفاقية التجارة الدولية التي من شأنها فتح الأسواق الأوروبية للمنتجات السودانية ذات الجودة العالية والنوعية بقيمة مضافة كبيرة عند التحول لوقف تصدير أي منتج خام وفتح الباب أمام السودان نحو ضخ الدعم الدولي له، وضمان التحويلات المالية عبر البنك المركزي الأمريكي والبنوك المركزية للدول الأخرى، وهو الذراع الأكثر أهمية لإحداث التنمية المنشودة في السودان وكذا دعم الإقتصاد السوداني واستقرار البلاد وتعزيز السلام الداخلي.
هذه الأجندة السياسية للجمهوريين لم تفعل أيضاً إلا عندما إقتربت الإنتخابات الرئاسية وذلك لحاجة ترامب لتحقيق نجاحات علي صعيد السياسة الخارجية، فخرج عليه مستشار مجلس الأمن القومي بضرورة عقد اتفاقات مع دول عربية لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وتم إعلان الاتفاق في جزءه الأول بضم دولتين عربيتين.
ومورست ضغوط سياسية هائلة مع إضافة شرط قبول دفع التعويض لأسر ضحايا التفجيرات وغيرها على الحكومة الانتقالية لقبول العرض الأمريكي. شعرت الإدارة بإمكانها إضافة دولة عربية أخري للدول التي أبرمت ذلك الإتفاق، وذلك لضعف الوضع السياسي السوداني الداخلي، وحاجة الحكومة الإنتقالية الماسة لدعم لتثبيت استقرار البلاد. ووضعه الإقتصادي، وحاجته الماسة للدعم الدولي، كلها قضايا مجتمعة ستكون محفزاً للسودان لقبول الإتفاق والسعي الجاد للإلتزام به وتنفيذه.
بيد أن كلفة هذه الخطوة السياسية علي السودان من جهة، كبيرة وباهظة للغاية خاصة علي المواطن السوداني الذي يعاني الأمرين، علاوة على حاجة البلاد لحشد الطاقات الإقتصادية والعائد الضئيل للصادرات المحدودة لإعادة الإعمار، وكذلك حاجته الماسة في معالجة الضائقة المعيشية الطاحنة.
أدوات السياسة الخارجية الأمريكية.
مرة أخري نشير إلي أن أهم أدوات التفاوض في الخطة الأمريكية تمثل في تفعيل ما يسمى بالPolitical Leverage الذي تحتفظ به الولايات المتحدة في تعاطيها مع السودان، و هو حاجة السودان لإزالة حمل ثقيل يعيق إستقراره، (إزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب)، واندماجه في المجتمع الدولي، و انسياب دعم المجتمع الدولي له، و حاجة الحكومة الإنتقالية لدعمها التنموي لإعادة بناء البلاد. ولن يتحقق كل ذلك إلا بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ولهذا قدمت الولايات المتحدة لمائدة التفاوض موضوع إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب (الذي لم يكن أصلاً أحد شروط التفاوض أو المآخذ الأمريكية علي السودان في أي وقت مضى) على رفع العقوبات عن السودان، لمعرفتها بأن هذا الموضوع له أهمية قصوى ويحظي بالأولوية للسودان أكثر من العقوبات.
والإدارة الأمريكية تعي تماماً أن توقيت تقديم الجزرة السياسية التي إستخدمتها وقدمتها للسودان قد اختير بعناية فائقة وتعرف وتثق بأن السودان سيلتقمها.
الأن، وبعد إبرام الإتفاق الذي لا نقلل منه ولكننا نتحسر على الموافقة على دفع التعويض مبدأ, لأسر ضحايا الانفجارات في السفارتين والمدمرة كول ومقتل موظف المعونة الأمريكية في الخرطوم جون غرافيل، مالياً، علي أن يتضمن ذلك إتخاذ الرئيس ترامب (Fast Track) وعدم إنتظار مدة الستة أشهر ال (Assessment)، واتجاه الولايات المتحدة لإعادة الحصانة السياسية للسودان عبر تشريع أميركي سيمرره الكونغرس بغرفتيه وسيصدر في أو قبل ١٠ ديسمبر ٢٠٢٠، سيضمن للولايات المتحدة توقيع اتفاقية مع إسرائيل لإنشاء علاقات دبلوماسية. نقول بأن السودان هو المستفيد على المدى البعيد لأن إعادة الأعمار والبناء لن تتحقق إلا بأزالته من تلك القائمة التي وصمته وشعبنا الكريم دون جريرة بأقذع التهم على الأطلاق و امتهنت كرامة المواطن السوداني وشوهت صورة وطننا لثلاثة عقود عجاف ووقفت أمام أي محاولات لإحراز اي تقدم ونماء لبلادنا.
ولهذا فإننا ننتظر العاشر من ديسمبر تاريخ لما له من دلالات سياسية أيجابية فارقة للسودان، لأن إزالة السودان من القائمة قبل خروج ترامب من البيت الأبيض حتى إذا فاز بايدن سيكون لها مردود ضخم علي مجمل الحياة السياسية والاقتصادية علي بلادنا ومعلوم أن الرئيس ترامب سيظل في البيت الأبيض حتى يناير ٢٠٢١.
ولكن يبقى السؤال، في مسألة العقوبات الاقتصادية المفروضة علي السودان هل سيسعي الرئيس الديموقراطي بايدن لرفعها عن السودان (وهي آخر وسيلة ضغط سياسية) بعد توليه مقاليد السلطة؟ و في الذاكرة أن الديموقراطيين هم من فرض العقوبات علي السودان مبدأً؟؟. سؤال سيظل بحاجة لتفكر وأجابة.!!! وتلك هي وسيلة الضغط الحالية والمتوفرة للرئيس بايدن من أدوات الدبلوماسية الناعمة علي السودان والشاهد في الأمر أن العقوبات الاقتصادية على السودان تتضمن تشريعات (Darfur Accountability Act) وهذا لوحده يمثل وسيلة ضغط كبيرة للإدارة الجديدة علي السودان، ولن تفرط فيه، ولهذا فمن المؤكد أنها ستبقى إلى حين.
عرفت سياسة الولايات المتحدة بالاحتفاظ بوسيلة ضغط سياسية بشكل إستراتيجي لكل دولة في العالم بشكل مفصل ومدروس ودقيق؟؟. وهناك مراكز بحث عديدة هذا هو شغلها الشاغل.في تقديري، من الضروري أن تتغير سياسة الولايات المتحدة نحو السودان في عهد بايدن، ولكن ربما سيكون من السابق لأوانه معرفة الاتجاه الذي ستسير عليه تلك السياسة تحديداً ، وكذلك معرفة أجندة الإدارة الجديدة بشكل دقيق سيكون غير محدد العوالم.
حسب علمي أن لبايدن فريق يعكف منذ فترة على صياغة سياسة خارجية تجاه أفريقيا والسودان يأخذ حيّز من تلك الدراسة. و ضمن هذا الفريق لفيف من الذين يعرفون ويتابعون أوضاع السودان وسياسته الداخلية بشكل إيجابي وجيد، و أتوقع أن تكون تلك السياسة الجديدة ذات وجهة إستراتيجية و ليس تكتيكية أو مرحلية كما كان في الإدارة السابقة. ولكن سياسة الولايات المتحدة تجاه السودان لم تكن يوماً ذات أولوية لها بالقدر الذي يجعل الإدارة الجديدة تعطيها أهمية خاصة في الفترة الأولي التي ستعكف فيها إلى معالجة الملفات الكبيرة، فالديمقراطية سيقولون أهمية خاصة لملفات مثل:
Will undo a lot of dossiers in the their Foreign Policy such as:
• The Nuclear Deal with Iran, • The Paris Climate Change Agreement, • Join the World Heath Organization, and • The withdrawal from NATO, وليس The Agreement with Sudan ).
المائة يوم من عهد بايدن ستركز فيها إدارته معالجة قضايا السياسة الداخلية الأكثر إلحاحاً وتمثل وعوده الإنتخابية، مثل محاربة جائحة كرونا، وعلاج الإقتصاد الأمريكي كهدفين رئيسين. بيد أن السياسة الخارجية التي يعكف علي دراستها وتحديد ملامحها العديد من المهتمين ضمن الإطار الكلي لخارطة العالم في محاولة لإعادة هيبة أمريكا ربما تأخذ وقتاً في التشكل.وحتما سيكون هناك عمل كبير في السياسة الخارجية، و جزء مقدر من فريقه للسياسة الخارجية نحو أفريقيا ينظر للسودان كجزء من تلك الخارطة الإفريقية نحو تعامل إستراتيجي.
و ما يتوجب علي السودان الأن هو، المبادرة بإبداء الرغبة بالتعاطي مع الإدارة الجديدة، وأولي تلك الخطوات تتمثل في تقديم التهنئة بأسرع فرصة ل President-elect Biden and Vice President-elect Kamala Harris. (وتلك هي الصيغة الرسمية -الأن- في المخاطبة) والسعي للإتصال المبكر بفريق بايدن المعني بصياغة السياسة الخارجية تجاه السودان لإبداء الرغبة في التعاون المشترك نحو استدامة علاقات تعاون صحية، وشفافة.
أتوقع أن تتسم سياسة الإدارة الجديدة في عهد بايدن، السياسي الأمريكي المعتق، بديناميكية نحو القضايا الإقليمية، وبعودته للاتفاق النوري لن تستمر إيران البلد العدو للمصالح الأمريكية في المنطقة، مما سيحفز إيران إلي رفع يدها عن دعم الحوثيين في اليمن للتمهيد لخروج آمن لها من هذا المستنقع، وتنهي بذلك دور الأحلاف في اليمن. وهذا سيشمل دون شك جميع الأطراف في الصراع في اليمن، (الذي لم يشهد تطور فاعل وملموس في توافق على خطة للأطراف لوقف مستدام لإطلاق النار والجلوس للتفاوض من أجل أيجاد طريق سياسي لإنهاء الحرب) والسودان كطرف في الصراع في الإطار الأقليمي ، عليه الإسراع باتخاذ قرار سياسي بسحب قواته من اليمن والانخراط في الجهود الدولية لإعادة الاستقرار في اليمن. فاليمن دولة ممزقة، حيث سيتناقض وضع السودان الذي تسعى حكومته الحالية نحو تحقيق السلام الداخلي بأي ثمن وفي ذلك الوقت تواصل إسهامها في تزكية صراع في اليمن.
فاليمن فيها حرب وصراع طاحن خلف مجاعة وأمراض وعوز وفقر مدقع، فهناك ١٠.٣مليون طفل لحاجة للغذاء و الإنقاذ من شبح المجاعة وسوء التغذية، ونحو ٧٠٪ من الأطفال اليمنيين محرومين من الحصول على مياه نقية للشرب و ظروف صحية ملائمة للعيش، و٧،٥٪ من الأطفال اليمنيين بحاجة لمساعدات خاصة، و٢ مليون من الأطفال خارج النظام المدرسي، * (١)
وبالتالي فإنه يتوجب علي الحكومة الإنتقالية العمل على مواصلة تعزيز السلام الداخلي في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وتحقيق العدالة ورأب الصدع السياسي والإجتماعي وإعادة بناء البنية التحتية وإشاعة ثقافة السلام، و قد وضعتها كأولوية في أجندتها، ويلتف السودانيون حولها.
و علي صعيد السياسية الخارجية الجديدة للسودان التي تسعى لتغيير الوجه القديم للنظام السابق واضعة النأي عن الارتماء في خضم الأحلاف في صلب إستراتجيتها، العمل الفوري على سحب القوات السودانية في اليمن في إطار السعي لوقف النزيف في اليمن والتحول للإسهام في تعزيز جهود الوفاق فيه، قد يمثل توجه سياسي حكيم فعاجلاً أو أجلاً ستتحول السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة نحو رسم خطة عاجلة للسلام في اليمن (في سياق أجندته للسياسة الخارجية لمعالجة وإقالة عثرات ترامب في هذا المجال) ومساعدة اليمن بشكل حاسم في مساعيه نحو وقف الحرب والصراع الداخلي، و وقف التدخلات الإقليمية، ستكون من بين الأولويات لتلك الأجندة.