22/11/2024

بوابة السـودان

صحيفة إلكترونية مستقلة

كاودا سودانية

محمد شمس الدين إعلامي وكاتب صحفي سوداني مقيم في القاهرة

من دواعي سروري أن يكون أول ما أنشره على البوابة الطموحة مقالا يواكب زيارة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لمدينة كاودا.. هذه المدينة التي اعتصم فيها بعض من أشقاء الدم والوطن الذين يعتنقون الديانتين الاسلامية والمسيحية ويعيشون منذ القدم حالة من فريدة من التعايش والترابط الإنساني بعكس السبب المعلن الذي شن من أجله نظام الكيزان اليميني المتطرف الحرب في جنوب البلاد والذي هو نصرة الإسلام.. وحينها كان عينهم على ثروات الجنوب لا أكثر.. اعتصم أهل كاودا بين تضاريسها الوعرة سنين عددا.. رغبة في مستقبل زاهر للسودان والسودانيين.. مستقبل يجمع ولا يفرق.. يعدل ولا يظلم.. وها هي أمنياتهم تقترب من التحقق.

هذه الزيارة التي عجز عنها الرئيس المخلوع عمر البشير الذي أزعجنا في خطبه بتهديداته لقائد جيش الحركة الشعبية المتمركز في كاودا عبد العزيز الحلو..  بأنه سيصلي فيها لكنها كانت عصية عليه تماما كبقية شقيقاتها من مدن السودان العزيزة.. و كاودا تحديدا كانت هدفا مهما للنظام السابق لما يحتويه باطنها من خيرات لم تكن ستدخل للميزانية الاتحادية لو تمكن منها نظام الكيزان وربما عاش أهلها كما عاش كثير من أهل مناطق دارفور القريبة من كاودا في حالة نزوح وهروب دائم من الموت.

 سأتناول في ما تبقى من أسطر هذا المقال موضوعين.. الأول يتعلق بما صاحب الزيارة من تحليلات إسفيرية جلها كان يصب في اتجاه صرف الأنظار عن الهدف الرئيسي للزيارة والذي هو تحقيق تقدم عملي في ملف السلام وتقليص الوقت المخصص له و الذي يمضي سريعا بهدف التفرغ لمفات بناء الدولة والتي يتطلب الشروع فيها وقوفا على أسس صلبة ودون مهددات حيث تنتظر كل مناطق البلاد بما فيها المناطق التي ثارت وتمردت على نظام البشير تنتظر حصتها وحقها الطبيعي من التخطيط والإعمار.. لأن ما سيبنى على أرضية غير صلبة سينهار لا محالة .. وما ذهب إليه كثير من المنتقدين للزيارة تحدثوا عن أنها أعطت حجما أكبر الحلو ومجموعته.. وأن في ذلك اعترافا بتمرده ورغبته الانفصالية بدليل راية الحركة الشعبية  التي رفعت أثناء الزيارة وغير ذلك .. وفي حقيقة الأمر أن الأمر كان ليكون كذلك لو لم يذهب حمدوك شخصيا وركن إلى هذه التحليلات.. وبكل هدوء أيضا فإن لكل حزب لكل حزب سياسي شعاره الخاص الذي يمكن أن يطبع على رايات وهذا أمر مشاهد في كل دول العالم.. وفيما يخص مراسم استقباله التي تمت واستعراضه “حرس الشرف” فإن ذلك بروتوكول خاصا بالحركة الشعبية التي تمتلك جيشا ويعد أكثر طريقة مميزة لإظهار الاحترام للقاده والضيوف.. وربما يكون رئيس الوزراء قد تفاجأ بذلك ووجد نفسه أمام موقف حساس سيكلف رفضه لتقبله إياه كثيرا من الثقة التي ذهب لتعزيزها.. وعاد للخرطوم بانتظار لقاء قريب مع الحلو فيها ليجد هو ومن وراءه أهل كاودا العزيزة التقدير المستحق.

ما يمكن استنتاجه من ماصاحب الزيارة من مشاهدات قد تكون مخالفة لأي أعراف بروتوكولية يمكن تفسيره على أن ثمن تثبيت أسس السلام والمواطنة فوق أي اعتبار بروتوكولي.. ولعلها سابقة سيذكرها التاريخ حين تتحقق نتائج الزيارة المنشودة.

الموضوع الآخر موضوع مهم أيضا.. يرتبط بالإعلام فمازال القائمون على معظم الصحف ووسائل الإعلام الأخرى السودانية يعتمدون الأدوات التقليدية وهي نقل الخبر على المنصات القديمة ( الشاشة والصحيفة والإذاعة) متجاهلين مميزات وقوة وتأثير السوشيال ميديا في سرعة نقل الخبر والصورة.. واستمرارية تأثير المادة المنشورة على منصاتها لمدة أطول وبشكل متصل حيث سيتم تداول أي مادة أو حتى أي “إشاعة” والنقاش حولها حتى ظهور مستجدات أخرى أو حتى تظهر الصحف في صباح اليوم التالي والتي يظن صناع قرارها  أن هناك من يحتاج لقراءة أو تحليل خبر على النسخ الورقية.

 الشريحة التي مازالت تقرأ النسخ الورقية باتت “معدودة” ومعظمهم انتقل لاستقاء المعلومة من المواقع الإخبارية المستقلة ومواقع القنوات الاخبارية وصفحاتها على السوشيال ميديا ليس فقط في العاصمة بل في المدن والقرى وكل المناطق التي تتوفر بها خدمة الانترنت.

وبالتالي يفترض أن يواكب الجميع هذا التطور الذي وصل إلى نقاط متقدمة حيث يستمتع العالم كله بمشاهدة ومتابعة كل شيء على الهواتف والأجهزة اللوحية وشاشات التلفزيون الذكية.. علما أن أهداف الربح المادي مضمونة و بأضعاف مضاعفة في حال التوجه نحو الأدوات الحديثة، أي أنه لاخشية على فقدان حصص الإعلانات التي كانت تذهب للنشر الورقي أو للتلفزيون أو الإذاعة بل سيستمر كل ذلك وبما أن المتابعين غيروا الأداة التي يتلقون عبرها المعلومة فستلحقهم الإعلانات إلى حيث هم الآن.

هذا الاستطراد موضوع قائم بذاته إلا أنني ركزت عليه حيث أن وسائل الإعلام السودانية لم تتعامل مع حدث الزيارة بما تقتضيه المهنية التي تستوجب تحقيق السبق المطلوب.. حيث كان المفترض أن يتناقل الناس الحدث وتفاصيله وتحليل أبعاده نقلا عن حساباتها على السوشيال ميديا على أقل تقدير.. بما ان التجهيزات اللوجستية ليست متوفرة لتساعد في تأدية الرسالة المطلوبة في نقل المعلومة من مناطق السودان البعيدة وتؤدي واجبها في تثقيف الرأي العام والإجابة على التساؤلات التي تصاحب كل خطوة.. وتقطع الطريق على مروجي الإشاعات الذين يهدفون للتشكيك في كل شيء يهدفون لزعزعة ثقة الناس ويعملون على بث أجواء من عدم الطمأنينة في نفوس السودانيين.