25/11/2024

بوابة السـودان

صحيفة إلكترونية مستقلة

أزمة المياه في المغرب

عايد عميرة – كاتب تونسي

قبل سنتين من الآن، عرفت مدينة زاكورة المغربية التي تقع على مشارف الصحراء على بعد 700 كيلومتر من العاصمة، احتجاجات امتدّت لشهور عرفت بـ “ثورة العطش”، للمطالبة بتوفير الماء الصالح للشرب في المنطقة، الأمر الذي أعاد للواجهة أزمة المياه التي تعيشها المملكة، وجعل العديد من المراقبين ينبهون إلى خطورة ندرة المياه كونه سيكون أحد أسباب انعدام الاستقرار الاجتماعي في البلاد في المستقبل القريب.

المياه في أرقام

يبلغ حجم الموارد المائية بالمغرب 22 مليار متر مكعب، منها 18 مليار متر مكعب من المياه السطحية (139 سدا كبيرا) و4 مليارات متر مكعب من المياه الجوفية (الآبار). وتبلغ الحصة الفعلية المعبأة منها 01 مليار مكعب في السنة بالنسبة للأولى، و3.5 مليار متر مكعب بالنسبة للثانية، أي ما مجموعه 13.5 مليار متر مكعب في السنة تمتص منه الفلاحة حوالي 90%.

لا يتجاوز الاستهلاك اليومي للماء الصالح للشرب 70 لترا في اليوم للفرد الواحد مع تباين بين الوسط الحضري والقروي، مقابل متوسط عالمي يبلغ 140 لترا (250 لترا إلى 600 لترا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية).

تفوق الكميات المٌستغلة بشكل كبير الكميات المتجددة بما مقداره 800 مليون متر مكعب في السنة، وقدر معدل انخفاض مستويات الآبار بـ 2 متر في السنة، ما من شأنه أن ويؤدي إلى تقوية الضغط على المياه الجوفية واستنزافها.

وسبق أن أكد تقرير سابق للبنك الدولي أن المغرب يتوفر على احتياطي محدود من الموارد المائية، وحجم المياه التي يمكنه تقنيًا واقتصاديًا استغلالها لا تتجاوز 80% من الموارد المائية المتوفرة حاليًا، ونصف الكميات المتوفرة من المياه نصف جيدة، و4% فقط منها تصنف بالجيدة على مستوى الجودة.

70% من الموارد المائية الحالية تتوزع على 27 % من التراب الوطني، ما يعني أن أكثر من 13 مليون شخص سيعانون من ندرة الماء في المغرب في  أفق2020. وتستهلك الزراعة وحدها 85% من مجموع المياه، وهي نسبة مرشحة للارتفاع مع انخراط المغرب في مسلسل لتوسيع مساحة الأراضي التي تعتمد على الري.

قطاع الفلاحة يعد وفقا للمكتب الشريف للفوسفاط، أكثر المجالات التي تستنزف المياه المستهلكة بالمغرب بنسبة 90 %، فيما يأخذ الاستعمال المنزلي من معدل الاستهلاك هذا، نسبة 9 بالمائة، بينما يذهب الباقي إلى الأنشطة الصناعية؛ أي 1 %.

يتوفر المغرب على 80 فرشة مائية باطنية، 48 منها فرشات يسهل الوصول إليها واستغلالها بيد أنها أكثر تأثرا بالتلوث والجفاف نظرا لقربها من السطح، في مقابل 32 فرشة عميقة تتميز بصعوبة الولوج إليها وارتفاع تكاليف تعبئتها واستغلالها.

يحتوي المغرب على ستة أنهار كبرى والتي من الشمال إلى الجنوب هي نهر لوكوس ونهر ملوية ونهر سبو ونهر أبي رقراق ونهر أم الربيع ونهر تنسيفت وحوض كبير هو حوض سوس ماسة، تنبع كل هذه الأنهار من سلسلة جبال الأطلس باستثناء نهر لوكوس.

أما في خصوص التساقطات فهي متغيرة حسب السنين فمثلا يعرف المغرب سنة مطيرة وبعدها خمس سنوات جفاف متتالية، وحسب المناطق فالتساقطات في الشمال أغزر من الجنوب، يفوق معدل التساقطات السنوي أكثر من 1000 ملم في المناطق الجبلية في الشمال، وأقل من 300 ملم في أحواض ملوية وتنسيفت وسوس ماسة ومناطق جنوب الساحل الأطلسي والمناطق الصحراوية أي ما يعادل 85% من أراضي البلاد.

” اشتوكة ايت بها” وخطر الاندثار

تعيش عديد المناطق في المغرب أزمة مياه كبرى، على غرار منطقة اشتوكة ايت بها في جهة سوس ماسة وسط غربي البلاد في الجنوب الغربي للأطلس الكبير، نظرا للضغط الذي خضعت له الفرشة المائية والذي أخذ منحى تصاعديا منذ سنة 2005 والى يومنا هذا، وفق رئيس جمعية بييزاج لحماية البيئة في المغرب رشيد فاسح.

ويشير فاسح في تصريح … إلى أن “نضوب الموارد المائية الجوفية بكل من اشتوكة وماسة وسهل سوس الكبير، ينذر بالخطر الذي أصبح يهدد منطقة سوس ماسة ككل، كما أن المؤشرات جد مخيفة ومهولة حول احتياطيات السدود، والتي تمثل فقط 46 % من حجم المياه المعبئة، بالإضافة إلى أن نسب ترسب الأوحال بها أخذت منحى تصاعديا، وهو ما يتطلب مجهودات مضاعفة لتنقيتها.”

 هذه الوضعية تضع الجميع، وفق محدّثنا، أمام مسؤولية كبيرة، نظرا لما يمكن أن تشكل تبعاتها من تداعيات على الأمن المائي الموجه للشراب ولإغراض فلاحية وتنموية واقتصادية، لا تهم منطقة سوس فحسب، بل المغرب ككل على اعتبار أن منطقة سوس هي المزود الأول والرئيسي للسوق المغربية من المنتجات الفلاحية للفواكه والبواكر والخضر.

ونبّه محدّثنا إلى “الخطر البيئي المتمثل في قساوة الظروف الطبيعية الناتجة عن الجفاف والتصحر الذي يهدد الاستقرار بالعالم القروي من خلال العطش وندرة المياه حيث وصل سعر الصهريج إلى 400 درهما لا تقوى على اقتنائه الساكنة القروية المنهكة بالفقر والفاقة والحاجة.”

مستقبل المياه في المغرب يدق ناقوس الخطر

أكدت دراسة أصدرها مركز الدراسات والأبحاث التابع للمكتب الشريف للفوسفاط عام 2018، أن مستقبل المياه في المغرب يدق ناقوس الخطر، إذ تعتبر المملكة، حسب منظمة الأمم المتحدة، ضمن المناطق “جد الهشة” في ما يتعلق بوفرة المياه.

في هذا الصدد، صنف تقرير صدر عن منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة، عام 2016، المغرب، ضمن ست دول معنية أكثر من غيرها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بندرة المياه وتراجع منسوبها في السنوات المقبلة.

يعتبر اللجوء إلى تحلية مياه البحر أمرا حتميا في جنوب المغرب ذلك أنه الحل الوحيد لتوفير الماء الصالح للشرب في تلك المنطقة، وكانت أول محطة لإنتاج الماء الصالح للشرب عن طريق تحلية مياه البحر قد أنشئت في 1976 بقدرة 75 متر مكعب في اليوم في طرفاية، وتبعتها بعد ذلك انشاء ستّة محطات للتحلية أكبرها التي توجد في العيون بقدرة 7000 متر مكعب في اليوم.

من جهتها أشارت كاتبة الدولة السابقة المكلفة بالمياه شرفات أفيلال في تصريح لنا ….. إلى أن أزمة المياه لا تقتصر على المناطق الجنوبية البعيدة عن المياه فقط، بل تضمّ أيضا المناطق المحاطة بالسدود الواقعة على غرار مناطق أزيلال وبني ملال وتاونات وزان فأغلب الأهالي هناك ليس لديهم ماء في المنزل.

شهدت المغرب سنوات جفاف متعاقبة، وهي أعوام 1981 و1985 و1991 و1995 و1998 و2000 و2002 ، ويحذّر عديد الخبراء من احتمال تعرض المغرب لشح شديد في المياه قد يهدده بالعطش في غضون العقدين القادمين جراء التقلبات المناخية والإسراف في استعمال المياه وتلوث الأحواض المائية الكبرى.

تعميق الاحتقان الاجتماعي

يرى المختص في المجال البيئي رشيد فاسح، أن الأمن المائي والغذائي يعد أساسيا بالنسبة للأمن الاجتماعي، لذلك فإن تداعيات ندرة المياه وخيمة على التماسك الاجتماعي في المملكة المغربية، وهو ما يمكن أن نراه في العديد من الاحتجاجات، وفق قوله.

وأوضح فاسح أن ندرة المياه تنعكس سلبا على المستوى الفلاحي والصناعي والتنموي في البلاد، فهو سيتسبب في المستقبل القريب في ارتفاع أثمان الخضر والفواكه والمضاربات فيها، ما يضر بالقدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع نسب البطالة وإفلاس الفلاحين وإقفال المؤسسات الاقتصادية والصناعية التابعة بشكل مباشر، أو غير مباشر للقطاع الفلاحي في مناطق عدّة من البلاد، وهو القطاع الرئيسي الذي يساهم في توفير مناصب الشغل ورفع الناتج الداخلي الخام الوطني من العملة الصعبة.

يلاحظ من خلال تتبع الحركات الاحتجاجية الترابية في المغرب تنامي نوع من الاحتجاجات في البوادي المغربية خلال السنوات الأخيرة، يقول رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني عبد الرحيم المنار اسليمي.

هذه الاحتجاجات أو ما أصبح يطلق عليها باحتجاجات العطش، مرتبطة أساسا، وفق عبد الرحيم المنار اسليمي، بالطلب على الماء. ويقول اسليمي لنا….، “هذا الأمر يتزايد سنويا خاصة في فصل الصيف، وهي حركات لحد الآن تبدو عفوية ودون قيادات ومازالت غير مخترقة.

ويعتقد محدّثنا أن “هذه الاحتجاجات تحمل مؤشرات خطر قادم إذا لم يتم احتواؤها بسياسات توزيع المياه أو ما يمكن تسميته بالعدالة المائية، ويزداد هذا الخطر مع ملاحظة غياب سياسة مائية واضحة في المغرب.”

ويضيف، ” رغم التقارير التي تشير إلى تراجع الفرشة المائية خلال السنوات المقبلة مازالت السياسات الحكومية في مجال الماء غير موجودة، فالصلاحيات الموزعة بين وزارة الفلاحة والمندوبية التابعة لها وهي مندوبية المياه والغابات وكتابة دولة مكلفة بالماء تحضر وتغييب، وهو ما يجعل السياسات العمومية غائبة في التدبير الحكومي للماء.

ويقول اسليمي إن “هذا الأمر جعل هذا النوع من الاحتجاجات يتطوّر سنويا ويتزايد خاصة وأن طريقة التعامل معه تكون موسمية بنقل المياه من طرف السلطات إلى بعض المناطق النائية ،والملاحظ أن الحركات الاحتجاجية حول الماء لا تخرج فقط في مناطق مغربية ذات مناخ حار وجاف قليلة التساقطات ولكن أيضا في مناطق جبلية تجري فيها انهار وعيون.”

وتشهد مدينة زاكورة، إلى جانب عدد من المدن المغربية على غرار بني ملال وأزيلال ووزان وصفرو، من وقت إلى أخر احتجاجات شعبية كبرى أطلق عليها البعض اسم “ثورة العطش”، حيث يعاني بعض هذه المدن من ندرة المياه، فيما تعاني مناطق أخرى من امتزاج الماء الصالح للشرب بالمياه المالحة، ومن شأن هذه الاحتجاجات أن تعمّق أجواء الاحتقان الاجتماعي الذي تعيش على وقعه المملكة المغربية.

وكان الملك محمد السادس قد أعلن في يونيو 2018، خارطة طريق تأمر الحكومة بتفعيل تدابير الطوارئ من حفر آبار جديدة، وإنشاء السدود بسرعة ، ومحطات تحلية المياه ، وإرسال الشاحنات إلى المناطق المتضررة، لكن الحال ضلّ على ما هو عليه.

الحلول

يؤكّد رئيس جمعية بييزاج لحماية البيئة إمكانية تحول هذه المنطقة إلى صحراء قاحلة، في حال ما لم يتم تدارك عملية الاستنزاف الكبيرة للمياه، عبر بلورة خطط إستراتيجية استعجالية تجنب المنطقة والمغرب مضاعفات غير محمودة العواقب.

ومن المنتظر أن يصل المغرب في سنوات 2020 و2025 إلى نقطة فقدان التوازن بين الاستهلاك والإنتاج، وهو ما يستدعي إيجاد عديد الحلول لذلك، من الحلول التي ذكرها رئيس جمعية بييزاج لحماية البيئة في المغرب رشيد فاسح، “تفعيل التدابير اللازمة اتخاذها بنهج سياسة مائية عبر تحلية مياه البحر لإغراض فلاحية، واستعمال المياه العادمة المسترجعة لسقي المناطق الخضراء والحدائق بالمدارات الحضرية.”

كما اقترح رشيد فاسخ، “عدم إهدار الموارد المائية في عرض البحر، وذلك عبر إقامة سدود كبيرة، فضلا عن فتح طريق وحدة وتضامن مائي وطني بتحويل مياه فيضانات شمال المملكة لتروي عطش سكان الجنوب من خلال مشروع وطني ضخم يشارك فيه الجميع، لما فيه الصالح العام الوطني الدستوري للحق في الماء وبالتالي التنمية والاستدامة.”

بدورها أكّدا أفيلال أهمية إعادة استخدام المياه العادمة التي يتم إلقاؤها في الطبيعة، ومن شأن ذلك أن يمكن بالفعل من إعادة استخدام مياه الصرف الصحي بنسبة 100٪، على أن تخصّص بعد معالجتها لمحاصيل الري وملاعب الغولف.

الأسباب التي أدّت إلى ندرة المياه في المغرب

يعتقد رئيس جمعية بييزاج لحماية البيئة في المغرب رشيد فاسح، بوجود أسباب كثيرة لتراجع نسب المياه في المغرب، من بينها تزايد ضغط المناطق الحضرية على الموارد المائية التي تسجل عجزا مستمرا في السنوات الأخيرة.

من بين الأسباب التي ذكرها رشيد فاسح أيضا، ارتفاع استغلال المياه في أغراض فلاحية وصناعية وبشرية كما يتجلى ذلك في التوسع العمراني العشوائي، وضغط الهجرة القروية، وتنامي مدن الأطراف غير المهيكلة، والتي تعرف أكبر نسب كثافة سكانية.

عرفت الكمية السنوية للمياه العادمة المنزلية ارتفاعا كبيرا خلال العقود الثلاثة الماضية، إذ انتقلت من 48 إلى 500 مليون م³ ما بين سنة 1960 و 1996، لتصل إلى 700 مليون م³ سنة 2010. كما يتوقع أن يصل حجم هذه المياه إلى 900 مليون م³ في أفق سنة 2020.

ووفقًا لتقديرات شرفات أفيلال، يمكن للمغرب إعادة استخدام 325 مليون متر مكعب على الأقل بعد المعالجة أي ما يعادل 3 سنوات من مياه الشرب لمدينة مثل الدار البيضاء، وهو ما يمكن من توفير كميات هامة من المياه.

كما أشار رئيس جمعية بييزاج لحماية البيئة، إلى ظاهرة توحل العديد من السدود التلية الكبرى التي تؤدّي إلى ضياع ما يزيد عن 500 مليون متر مكعب من الطاقة الاستيعابية للسدود المائية، فضلا إلى مياه البحر شديدة الملوحة التي تهدد بشكل مستمر بغزو المياه الجوفية بفعل عمليات حفر الآبار لبناء المسابح الخاصة، والأفران، والحمامات، وغسل السيارات، وسقي المناطق الخضراء بالوحدات الفندقية، وهو ما أدّى وصول مياه أكادير مثلا إلى درجة ملوحة عالية بلغت 04 درجات.

يجدر الإشارة أيضا إلى تتعرض الموارد المائية في المغرب للتلوث بسبب تفريغ المقذوفات الصناعية و المنزلية دون معالجة مسبقة، وأيضا بسبب الاستعمال المكثف للمبيدات و الأسمدة، ومطارح النفايات التي غالبا ما تتركز على ضفاف المجاري المائية.

من جهتها أشارت كاتبة الدولة السابقة المكلفة بالمياه شرفات أفيلال إلى ضرورة الاستعداد بشكل أكثر فعالية والتخطيط على المدى المتوسط ​​والطويل لإدارة تأثيرات المناخ التي من شأنها أن تؤدي إلى فيضانات أو حالات جفاف.