02/05/2024

بوابة السـودان

صحيفة إلكترونية مستقلة

بعد 60 عاما من المطالبة.. اعتراف رسمي بالمجلس الأعلى للمسلمين في إثيوبيا

عماد عنان/ صحفي مغربي

بعد ماراثون من المساعي والجهود دام قرابة 6 عقود كاملة، حصل  في إثيوبيا على اعتراف رسمي من مجلس الوزراء الإثيوبي، خطوة تأتي تتويجًا لمجهودات مكثفة بذلها المسلمون هناك والقيادة السياسية على مدار سنوات طويلة، وهو ما اعتبره البعض إنجازًا غير مسبوق.

بالأمس أعلن مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إقراره بالإجماع مشروع قانون يعترف رسميًا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي يتولى شؤون المسلمين في البلاد، لافتًا إلى أن هذا القرار جاء استجابة لمطالب المسلمين باعتماد تشريعي لمؤسسة دينية تنظم حياتهم، وتنفذ التشريعات الإسلامية، وتضمن حقهم في إقامة علاقات مع مختلف المؤسسات الدينية والمجتمعات الأخرى.

وبخطوة كهذه يصبح المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية مؤسسة دينية إسلامية ذات سيادة كاملة، تسن القوانين التي تعنى بشؤون التعاليم الدينية وإنشاء المؤسسات التابعة لها، وهو ما يعني نقلة نوعية مهمة نحو مستقبل ما يقارب 60% من سكان البلاد، بحسب إحصاءات غير رسمية.

ويعاني المسلمون في إثيوبيا من معاناة وتهميش على مدار عقود طويلة، لم تتح لهم فرصة المشاركة في الحياة العامة رغم نسبتهم الكبيرة، هذا بخلاف تراجع حصتهم في مجالات الصحة والتعليم والتمثيل السياسي والعسكري، غير أن حالة من التفاؤل بدأت تخيم على الأجواء بعد تولي آبي أحمد مقاليد الأمور، وهي الخطوة التي لو تحققت ستضاف إلى رصيده الدبلوماسي الذي كان بابًا لحصوله على جائزة نوبل للسلام، العام الماضي.

عام ونصف من المناقشات

اتفق مسلمو إثيوبيا، في مايو/أيار الماضي، على تشكيل لجنة علماء مؤقتة برئاسة المفتي العام للبلاد الشيخ حاج عمر إدريس، لتسيير أمور المسلمين لحين إعادة بناء هيكلة جديدة لتكوين كيان إسلامي جامع يمثل المسلمين بشكل رسمي، وقد تمثلت مطالبهم في الحصول على اعتماد تشريعي للمؤسسة التي تمثلهم مع ضمان استقلاليتها، وعدم استغلالها من الحكومات المتعاقبة لأهداف سياسية، وهو الاتفاق الذي خرج من رحم عام ونصف من المناقشات الساخنة والحادة.

البداية كانت في يوليو 2018 حين تأسست بمبادرة من رئيس الوزراء الإثيوبي الحاليّ، لجنة تساعية من قيادات إسلامية بهدف إجراء حوارات مجتمعية لإعادة هيكلة مجلس الشؤون الإسلامية في البلاد بتحويله من مؤسسة أهلية إلى هيئة وطنية لها صلاحيات قانونية في خدمة شؤون المسلمين الدينية.

اللجنة تكونت وقتها من ثلاثة أعضاء من القيادات الحركية الشابة التي أطلق سراحها مع مجيء رئيس الوزارء إلى السلطة، وثلاثة من قيادات المجلس الأعلى ذي التوجه الصوفي وثلاثة من التكنوقراط المسلمين، وهي المكونات التي تشكل خريطة الإسلاميين في إثيوبيا وتعاني من خروقات عدة في ثياب وحدتها.

المبادرة هدفت في المقام الأول إلى أن يتجاوز المسلمون خلافاتهم الفكرية، لتتفادى بذلك حكومة آبي أحمد التبعات السياسية لانقسامات المسلمين وخلافاتهم، ولتنأى بنفسها عن اتهامها بدعم طرف على حساب آخر، ولسد الباب أمام القوى المناهضة للإصلاح حتى لا تستقطب أحد التيارات المتنافسة. الدافع الأبرز للحكومة في هذا التوقيت كان إجهاض توظيف الدين لأغراض سياسية، ودفع التيارات الإسلامية بمختلف توجهاتها الفكرية إلى ممارسة نشاطها الديني عبر مؤسسات دينية مقننة، وممارسة السياسة ضمن الأطر القانونية المنظمة للعمل السياسي في دولة علمانية بحكم الدستور.

وعلى مدار 17 شهرًا أجرت اللجنة التساعية حوارات ومناقشات كثيرة بين مختلف المدارس الفكرية والعقدية، وطغى على فعالياتها خلاف حاد وتنافس تقليدي ومزمن بين التيار الصوفي الذي يمثل المسلمين تاريخيًا في إثيوبيا المتواصل مع الدولة الإثيوبية الحديثة منذ وجودها، والتيار الحركي بشقيه السلفي والإخواني الذي يرى أنه القادر على مواجهة الدولة لنيل حقوق المسلمين الدينية وتعزيز مكانتهم السياسية. وبعد شد وجذب وصل إلى حد الصدام بعض الأحيان، في مقابل التهديد والترهيب من الحكومة في الجانب الآخر، قدمت اللجنة مقترحات إلى الحكومة تقضي بإصدار إعلان قانوني يقضي بتأسيس مجلس إسلامي وطني حسب اللائحة والقوانين المقترحة، وانتخاب هيئة علماء إثيوبيا تمثل المسلمين وتشرف على إدارة المجلس الإسلامي، ودفعت التيارت الحركية إلى تنظم الانتخابات في المساجد والمراكز الإسلامية.

الحريات المتوافرة للمسلمين في التعليم وممارسة العقيدة لم تكن متوافرة في عهد الحكومات السابقة

إنجاز كبير

الاعتراف بالمجلس وفق البعض إنجاز غير مسبوق، حيث ظل المسلمون لسنوات يطالبون باعتراف قانوني ودستوري بالمجلس لتنظيم نشاطاته وعلاقاته الدولية، أسوة بالكنيسة الأرثوذكسية، وهو ما أشار إليه الكاتب الإثيوبي محمد العروسي الذي قال إن المسلمين في إثيوبيا حققوا إنجازًا عظيمًا حينما أرسوا دعائم مجلسهم حتى حصلوا على ما حصلوا عليه من اعتراف.

العروسي أضاف “باعتقادي أن المسلمين اليوم في بلادنا يشعرون بسعادة غامرة لأنهم انتصروا على محاولات تهميشهم واضطهادهم وتشويه دينهم من الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة على البلاد منذ العقود الماضية، لحين وصول آبي أحمد إلى السلطة”، وذلك وفق تصريحاته لـ”الجزيرة”. مؤكدًا في الوقت ذاته أن مسلمي بلاده يتمتعون بسمعة حسنة على الصعيد الإقليمي والدولي، وأن اعتراف الدولة بواجهتهم يتطلب العمل الجاد من المجلس الأعلى لتوحيد كلمة المسلمين، والسعي للارتقاء برسالة الإسلام السامية ونبذ الكراهية والعمل على إبراز محاسن الإسلام دون تحزب أو تعصب.

وفي الإطار ذاته أوضح إمام أحد مساجد العاصمة – فضل عدم ذكر اسمه – أن المسلمين في ظل الحكومات السابقة، خاصة في عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي (1928-1974) وعهد منغستو هلي ماريام (1987-1991)، كانوا يجدون صعوبة في التعبير عن هويتهم، حيث كانوا يواجهون الاعتقال والطرد من البلاد بسبب ممارسة معتقداتهم الدينية. مضيفًا أن قرار مجلس الوزراء من شأنه أن يسمح للمسلمين بممارسة معتقداتهم الدينية دون أي ضغوط، لافتًا إلى أن الحريات المتوافرة للمسلمين في التعليم وممارسة العقيدة لم تكن متوافرة في عهد الحكومات السابقة، وتابع “المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية القادم ستكون أمامه فرصة كبيرة لتعزيز دور المسلمين في البلاد”.

أما الباحثة المتخصصة في شؤون الأقليات الإسلامية، تغريد ناصر، فأوضحت أن هذا القرار يحسب لرئيس الوزراء الإثيوبي الذي قضى بخطوته هذه على عقود طويلة من الخلافات الإسلامية التي تعززت بصورة أكبر فترة الحكم الشيوعي للبلاد، وهي الفترة التي تعرض فيها المسلمون لأبشع أنواع الإقصاء والتهميش. وأضافت في تصريحاتها لـ”نون بوست” أن آبي أحمد في ظل مساعيه لتوحيد جبهته الداخلية بعد الانتقادات التي تعرض لها مؤخرًا التي تجسدت في خروج آلاف من المتظاهرين ضده في أنحاء عدة من البلاد، أراد استمالة التيار الإسلامي لما له من قوة شعبية على أرض الواقع، وهو التحرك الذي سيكون له تداعيات إيجابية على شعبيته وفرض حالة الاستقرار والأمن الداخلي على حد تعبيرها.

مسلمو إثيوبيا.. تحديات عدة

في تحليل له، استعرض الباحث المتخصص في شؤون القرن الإفريقي محمود يوسف، أبرز التحديات التي تواجه مسلمي إثيوبيا لا سيما في الآونة الأخيرة، لافتًا إلى أنه يصعب على المراقب السياسي التنبؤ بمستقبل الوضع الحاليّ للمسلمين في تلك البلاد لكثرة الزوايا المتعلقة بهذا الطرح.

جاء غياب الوعي السياسي على رأس التحديات التي تواجه المسلمين هناك، فقراءة التاريخ والسياسة الدولية والقُطرية والإقليمية والمحلية عوامل أساسية لوضع خريطة وإستراتيجيات سياسية مستقبلية لتفادي أخطاء الماضي، ويبدو أن المسلمين في إثيوبيا لم يدركوا مجريات الأحداث والتقلبات السياسية في إثيوبيا، ومع قُرب الانتخابات الرئاسية في إثيوبيا لا يوجد برنامج سياسي واضح للمسلمين.

يأتي قرار الاعتراف الرسمي بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية تتويجًا لحالة الانفراج التي يحياها المسلمون في إثيوبيا في عهد آبي أحمد.

تلاها غياب الوحدة بين المسلمين، حيث تسودهم الخلافات العِرقية والقومية التي يكرسها الدستور نفسه، فهناك انتماء طائفي جديد على الساحة وذلك بظهور طائفة الأحباش اللبنانية الشيعية الذي يحجب المسلمين عن الرؤية السياسية المستقبلية، فالانقسامات الطائفية من العوامل الأساسية التي تحدُّ من دورهم السياسي المستقبلي، ولو أن شعور الوحدة موجود إلا أن تخطي الطوق العِرقي وطرحه جانبًا لا يزال عَقَبة في طريق مستقبلهم السياسي.

علاوة على غياب كيان واحد أو حزب سياسي أو مظلة سياسية تجمع المسلمين، فكل إقليم له حزبه السياسي وحكومته الإقليمية ولا توجد رؤية موحدة أو حتى تنسيق واحد يجمع المسلمين لخوض الانتخابات القادمة تحت مظلة واحدة تمثل كل ألوان الطيف، هذا بجانب الوضع الاقتصادي الضعيف. ورغم أن وضع المسلمين الاقتصادي ينمو في الآونة الأخيرة، فإنه لم يصل إلى مرحلة قوية يمكن الاعتماد عليه كورقة سياسية للتأثير في سياسة الحكومة والكيانات السياسية، واختتم الباحث قائمة التحديات بانعدام الرؤية المستقبلية لرسم خطوط التعاون الإستراتيجيِّ بين المسلمين وأحزاب المعارضة الأخرى من جهة والحزب الحاكم من جهة أخرى.

4 مراحل أساسية

مرت العلاقة بين المسلمين والنظم الحاكمة في إثيوبيا بأربع مراحل أساسية، شكلت على مدار العقود الماضية ملامح خريطة المسلمين في البلاد، التي تأثرت بشكل كبير بطبيعة تلك المراحل الزمنية والسياسية والأمنية، التي ألقت بظلالها القاتمة على الوضع العام بصورة كبيرة.

المرحلة الأولى تتمحور في مرحلة الملكية المطلقة حيث غاب عنها دور المسلمين في المشاركة السياسية والاقتصادية والتعليمية، وهي المرحلة التي انتهت بوفاة الملك الإثيوبي الراحل هيلاسلاسي عام 1974، وقد عانى المسلمون في عهده أشد أنواع الحرمان حتى بتغيير أسماء أطفالهم ليتمكنوا من تسجيلهم في المدارس الحكومية.

ومع وصول النظام الشيوعي بقيادة منجستو هيلا مريام إلى الحُكم، بدأت المرحلة الثاني التي ازداد وضع المسلمين فيها سوءًا لأسباب سياسية عدَّة، منها: الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، وظهور جبهات إسلامية وقومية مسلَّحة مختلفة المرامي والمقاصد في المنطقة، والصراع الإثيوبي الإريتري من جهة والصراع الإثيوبي الصومالي من جهة أخرى، وقد حارب منجستو جميع المظاهر الدينية المسيحية والإسلامية على حدٍّ سواء. بدأت مراحل الانفراجة السياسية للمسلمين مع قيادة رئيس الوزراء الراحل مليس زناوي، ففي عهده تنفَّس المسلمون الصَّعداء ورأوا أنهم جزء أساسي من الوطن وأبدوا الثقة بالحكومة بعد إعطائهم نوعًا من الحرية السياسية والمشاركة في الحكم، فمثلًا كانت حكومة مليس تضم 12 وزيرًا مسلمًا، إضافة إلى إنشاء برامج تعليمية وتدريبية للمسلمين في كل المناطق المسلمة المهمَّشة مثل فتح أول كلية إسلامية في أديس أبابا، وتزامن مع هذا أيضًا إنعاش الاقتصاد في المناطق المسلمة.

أما المرحلة الرابعة والأخيرة فبدأت برحيل زناوي، حيث هبَّت على المسلمين رياح سياسية جديدة فبدأت مشاركتهم في السياسة والحكم تزداد، حيث تولوا، لأول مرة في تاريخهم السياسي، منصب نائب رئيس الوزراء ومناصب قيادية عليا، إضافة إلى انتشار التعليم العصري الحديث في المجتمع المسلم بفتح المدارس والجامعات النظامية في المناطق المسلمة المهمَّشة سابقًا. وفي المجمل يأتي قرار الاعتراف الرسمي بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية تتويجًا لحالة الانفراج التي يحياها المسلمون في إثيوبيا، في عهد آبي أحمد، وتبقى مسائل إزالة الشقاق وتنحية الخلافات وبناء أرضية مشتركة للعمل العام لصالح المسلمين تحديات في مواجهة المسلمين في المرحلة القادمة.