حصاد العام 2019 فى أفريقيا
د. أيمن شبانة مدير مركز البحوث الأفريقية في جامعة القاهرة
بينما توشك شمس العام 2019 على المغيب، لا تزال القارة الأفريقية تموج بالأحداث البارزة، التي تلقي بتداعياتها على الدول والشعوب الأفريقية، سواء بالنسبة للتفاعلات داخل الدول، أو على مستوى جهود التكامل الإقليمى، التى يقودها الاتحاد الأفريقى، أو على مستوى العلاقات الدولية الأفريقية.
على مستوى التفاعلات الداخلية، بدأ العام ساخناً، باشتعال الحراك الشعبى بكل من الجزائر والسودان. إذ نجح الثوار بالجزائر فى دفع الرئيس عبد العزيز بو تفليقة إلى التراجع عن الترشح للرئاسية، ثم الاستقالة (أبريل 2019)، حيث أسندت السلطة إلى إدارة انتقالية، برئاسة عبد القادر صالح، بغية الإعداد لانتخابات رئاسية، واختيار رئيس جديد للبلاد.
كانت أحداث الجزائر، ملهمة لثوار السودان، الذين اعتصموا أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، حتى تم عزل الرئيس عمر البشير فى 11 أبريل ، ليتولى المجلس العسكرى الانتقالى السلطة، وليخوض المفاوضات مع قوى الحرية والتغيير، التى قادت الحراك الثورى، حيث تم توقيع وثيقة دستورية، تحدد مرحلة انتقالية مدتها 39 شهراً، يتم خلالها إدارة البلاد من خلال: المجلس السيادى، ومجلس الوزراء، والمجلس الشريعى، وإعداد الدستور، وإجراء الانتخابات لتحديد الرئيس القادم.
ومن المرجح أن يشهد العام 2020 أحداثاً متلاحقة بالسودان، الذى سيتعين عليه مواصلة تفكيك نظام الإنقاذ الوطنى، ومواجهة قوى الثورة المضادة، وأهمها فلول النظام السابق، وعناصر الإخوان المسلمين، والسعى لرفع اسم البلاد من اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وتحقيق السلام لشامل، وإصلاح الأوضاع الاقتصادية.
من جهة أخرى، شهدت أفريقيا محاولتين انقلابيتين عام 2019. وقعت أولهما بالجابون والأخرى بإثيوبيا. ففى الجابون، سعت مجموعة من ضباط الجيش فى 7 يناير للسيطرة على مبنى الإذاعة الوطنية، وعزل الرئيس على بونجو، بسبب الغموض بشأن حالته الصحية، وتشكيل مجلس وطني للإصلاح، قبل أن يتم إحباط الانقلاب، والقبض على مدبريه.
تكرر الأمر بتفصيلات مختلفة فى إثيوبيا فى 23 يونيو، عندما انطلقت محاولة انقلابية من إقليم أمهرة، تم خلالها اغتيال حاكم الإقليم والمدعى العام، ورئيس أركان القوات المسلحة، احتجاجاً على المشروع الإصلاحى لرئيس الوزراء آبى أحمد، وتخليه عن رجال الحرس القديم. وكذا بسبب سعى جماعة أمهرة لاستعادة دورها التاريخى فى حكم البلاد، بعدما تراجع نفوذها إثر سقوط نظام منجستو هيلاميريام عام 1991. لكن الجيش الإثيوبى أجهض الانقلاب، باغتيال مدبره الجنرال تسيجى. كما اعتقل عشرات المتهمين بالضلوع فى الانقلاب، وعلى رأسهم قائد القوات الخاصة بإقليم “أمهرة”.
شهدت القارة فى المقابل إجراء العديد من الانتخابات الرئاسية، التى أسفرت عن نتائج متباينة. ففى بعض الحالات ظل الرؤساء الحاليين فى مناصبهم (نيجيريا، ماولاى، موزمبيق). فاحتفظ الرئيس محمد بخارى برئاسة نيجيريا (مارس2019)، بعدما حققه من إنجازات على صعيد مواجهة الفساد، وتحجيم نشاط حركة بوكو حرام فى شمال البلاد.
وفى ماولاى، فاز الرئيس بيتر موثاريكا، مرشح الحزب التقدمى الديمقراطى الحاكم، بولاية رئاسية جديدة (مايو2019)، متقدماً بفارق ضئيل عن أقرب منافسيه لازاروس تشاكويرا، زعيم حزب مؤتمر مالاوى، ليحصل موثاريكا على فرصة جديدة لقيادة بلاده لخمس سنوات قادمة.
وفى جنوب أفريقيا، تمكن حزب المؤتمر الوطنى بأغلبية مقاعد البرلمان والمجالس الإقليمية، فى مايو2019. ورغم أن النتيجة تمنح زعيمه سيريل رامافوزا تفويضاً جديداً للبقاء فى السلطة لخمسة أعوام قادمة، بموجب الدستور الذى يمنح رئاسة البلاد لزعيم الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية. لكنها تعد النتيجة الأسوأ بالنسبة للحزب الحاكم منذ تقلده السلطة عام 1994، وهو ما يحمل رسالة بالغة الدلالة، تنذره بضرورة تدارك الموقف، قبل أن يدير الشعب ظهره للحزب خلال الانتخابات المقبلة. وفى موزمبيق أعيد انتخاب الرئيس فيليب نيوسى بعد فوزه بالانتخابات (أكتوبر2019)، بنسبة 73% من الأصوات.
فيما قدمت بعض الدول تجارب فريدة فى التداول السلمى للسلطة. وأهمها موريتانيا، حيث تقلد وزير الدفاع السابق محمد ولد الغزوانى رئاسة البلاد إثر فوزه بالانتخابات الرئاسية (يونيو2019)، ليحل محل الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذى رفض محاكاة تجارب أخرى، تم خلالها تعديل الدستور، للسماح للرؤساء بالترشح لولايات رئاسية إضافية، وتجاوز المدد المنصوص عليها بالدستور.
لكن من المتوقع أن تشهد البلاد عام 2020 صداماً سياسياً بين الرئيس الحالى والرئيس السابق، الذى تحوم حوله الكثير من شبهات استغلال النفوذ والفساد، بما يجعل تكرار التجربة الروسية ” بوتين- ميدفيدف” أمراً مستبعداً فى موريتانيا.
وفى تونس، أجريت انتخابات رئاسية مبكرة فى أكتوبر2019، عقب وفاة الرئيس الباجى قائد السبسى (يوليو2019) ، ليتمكن المرشح المستقل قيس سعيد من الفوز برئاسة البلاد، بعد انتخابات اتسمت بالشفافية والنزاهة. لكن الدور الفاعل لحركة النهضة بالبرلمان التونسى أضحى يشكل هاجساً لدى الشعب التونسى، الذى يخشى وقوع الرئيس الجديد تحت التأثير التيار الإخوانى. وهو ما قد يؤدى إلى توتر الأوضاع السياسية فى تونس خلال العام 2020 .
وفى الجزائر، أجريت الانتخابات الرئاسية فى ديسمبر2019، بعد تأجيلها لمرتين، كان آخرها فى يوليو الماضى، ليتمكن عبد الحميد تبون من حسمها لمصلحته، والفوز برئاسة البلاد. ومن المتوقع أن تتجه الأمور نحو الهدوء النسبى بالجزائر عام 2020، مع الاتجاه لتنفيذ حزمة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، طال انتظارها خلال عهد الرئيس بوتفيلقة. ومن المنتظر أيضاً أن تتحسن العلاقات الجزائرية المغربية، وأن يتم بحث إحياء مشروع الاتحاد المغاربى، مع تواتر التصريحات الإيجابية على الجانبين الجزائرى والمغربى.
وبالنسبة لقضايا السلم والأمن، تم الإعلان عن فوز رئيس الوزراء الإثيوبى بجائزة نوبل للسلام فى أكتوبر2019، تقديراً لدوره فى تسوية النزاع الإثيوبى الإريترى، وسياسته الرامية لتصفير المشكلات الداخلية. واهتمامه بقضايا المرأة، متبنياً سياسة المناصفة لدى تشكيل حكومته. كما شهد عهده تولى السيدة ساهلى زويدى، رئاسة البلاد فى سابقة هى الأولى فى التاريخ الإثيوبى الحديث. لكن تظل هناك تحديات جسيمة يتعين على النظام الإثيوبى مواجهتها، لتحقيق التماسك الإقليمى والاندماج القومى، خاصة بعد تصويت أبناء منطقة سيداماً لصالح إنشاء إقليم جديد عاشر بالبلاد، يتمتع بالحكم الذاتى، خلال الاستفتاء الذى جرى فى نوفمبر2019.
كما شهدت العلاقات الصومالية الكينية تطوراً بالغ الدلالة، بعد وساطة الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقى، حيث زار الرئيس الصومالى محمد عبد الله فرماجو كينيا (نوفمبر2019) ليضع حداً للتوتر الشديد الذى اعترى علاقاتهما، منذ 2012، بعد الاتفاق على سحب ملف النزاع على الحدود البحرية بين الدولتين من محكمة العدل الدولية، وذلك لتسويته سلمياً عبر مائدة المفاوضات، واستئناف التمثيل الدبلوماسي، وتطبيع العلاقات، والتعاون فى مكافحة الإرهاب.
لكن، تظل هناك بعض بؤر النزاع والصراع المشتعلة بالقارة، وأهمها أزمة سد النهضة، والصراع بكل من جنوب السودان وليبيا. إذ احتدمت أزمة السد، بإعلان مصر عن وصول المسار التفاوضى إلى طريق مسدود، لتدخل الولايات المتحدة على خط الوساطة فى نوفمبر2019، باقتراح خارطة طريق تتضمن إجراء أربع جولات تفاوضيه، يتخللهما لقاءان فى واشنطن، بمشاركة ممثلى البنك الدولى، وذلك لحسم ملفى نظام الملء الأول للسد، وقواعد الإدارة والتشغيل.
لم يبدو فى الأفق حدوث اختراق نوعى فى المفاوضات، فيما توشك المهلة المحددة لإغلاق هذا الملف على الانتهاء فى 15 يناير2020، مما يزيد احتمالات تصاعد الأزمة خلال العام القادم، خاصة إذ أقدمت إثيوبيا على الملء الأول للسد فى يوليو2020، حيث يخالف ذلك نص المادة الخامسة من اتفاق إعلان المبادئ الموقع فى مارس2015.
وفى دولة الجنوب، تم تمديد المرحلة الانتقالية لتطبيق اتفاق أديس أبابا للسلام الموقع فى سبتمبر2018، إثر الفشل فى تشكيل الحكومة الانتقالية، وإخفاق جهود نزع السلاح، وتأخر إدماج المتمردين ضمن القوات المسلحة الحكومية، واستمرار الخلاف بشأن عدد الولايات. وفى ظل ضعف الثقة المتبادل بين أطراف الصراع، وعدم فاعلية الضغوط الخارجية، فمن المرجح أن يستمر الإخفاق فى إنفاذ اتفاق السلام خلال العام2020، مما يثير المخاوف من الانتكاس إلى حالة الحرب الأهلية الشاملة.
استمرت ليبيا أيضاً محوراً لتهديد الأمن الإقليمى. وتجلى ذلك بالاتفاق الذى وقعته تركيا مع حكومة الوفاق الوطنى بقيادة فائز السراج (نوفمبر2019)، والذى يتعلق بترسيم الحدود البحرية بين الطرفين، والتعاون الأمنى. مما أثار مخاوف مصر واليونان وقبرص، حيث يمثل الاتفاق تهديداً لاستثماراتها بقطاع استخراج النفط والغاز فى شرق المتوسط. كما ينذر ببقاء ليبيا مرتعاً للتحالفات الإقليمية والدولية، خاصة بعد زيارة الرئيس التركى أردوغان لتونس (ديسمبر2019)، ولقائه برئيسها قيس سعيد، ورئيس حكومة الوفاق الوطنى الليبية.
وعلى مستوى العمل الجماعى الأفريقى، تولى الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى رئاسة الاتحاد الأفريقى للعام2019، ساعياً لتنفيذ برنامج عمل طموح، يستهدف تطوير ميزانية الاتحاد الأفريقى وترشيدها، واستكمال الهيكل المؤسسى للاتحاد، حيث تم الاتفاق على إعادة هيكلة مفوضية الاتحاد الأفريقى بحلول فبراير2020.
فى هذا السياق، عقد الاتحاد قمة فى يناير2019 تحت شعار “عام اللاجئين والنازحين والعائدين: حلول دائمة للنزوح القسري في أفريقيا”. كما تم تدشين “منطقة التجارة الحرة الأفريقية”، خلال قمة الاتحاد الاستثنائية بالنيجر (يوليو2019)، بعد دخول اتفاقية التجارة الحرة القارية حيز النفاذ (مايو2019)، ببلوغ عدد الدول المصادقة عليها 22 دولة. وهو ما يدعم تنفيذ الأهداف الاستراتيجية لأجندة التنمية فى أفريقيا للعام 2063، التى تستهدف رفع نسبة التجارة الأفريقية البينية إلى50% بحلول العام 2045، وتحسين حصة أفريقيا فى التجارة العالمية من 2 % إلى 12 %، وإنشاء اتحاد جمركى أفريقى بحلول العام 2022.
كما استضافت مصر العديد من الفعاليات القارية أهمها: المنتدى الأفريقى الأول لمحاربة الفساد (يونيو2019)، ومنتدى الاستثمار فى أفريقيا (نوفمبر2019)، ومنتدى الشباب الأفريقى (ديسمبر2019). لكن تأجيل القمة العربية الأفريقية التى كان مقرراً عقدها بالعاصمة السعودية الرياض فى نوفمبر2019 ظل يشكل علامة استفهام تستعصى على التفسير، خاصة أن الإرجاء كان إلى أجل غير مسمى.
وعلى مستوى التفاعلات الأفريقية الدولية، عقدت هذا العام الدورة السابعة لمنتدى طوكيو للتنمية الدولية فى أفريقيا – تيكاد (أغسطس2019). كما عقدت القمة الروسية الأفريقية الأولى فى سوتشى (أكتوبر2019). ويأتى ذلك فى إطار المنافسة المحتدمة بين القوى العالمية للحصول على موطئ قدم بالقارة، والاستئثار بنصيب وافر من ثرواتها.
ومن المتوقع أن يشهد العام 2020 دعماً قوياً من اليابان لجهود التنمية بأفريقيا. وكذا حضوراً قوياً للدور الروسى فى تسوية الصراعات وضح الاستثمارات بالقارة، بعدما تم الاتفاق على عقد القمة الروسية الأفريقية بالتناوب، مرة كل ثلاثة أعوام، وتوقيع أكثر من 30 اتفاقاً بين الطرفين، ومضاعفة الاستثمارات الروسية بأفريقيا، لتصل إلى 40 مليار دولار.
لكن هذا التوجه الروسى يثير قلق الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، وفرنسا، حيث أعربت الأخيرة عن مخاوفها من الدور الروسى بأفريقيا الوسطى وليبيا، وتنامى الاتجاهات المعادية لفرنسا بدول الساحل الأفريقى، وتواتر الهجمات ضد العناصر العسكرية الفرنسية بالإقليم، والتى أدت لتأجيل قمة فرنسا ودول الساحل الأفريقى الخمس، المشاركة فى عملية برخان (16 ديسمبر2019). كما أكد الرئيس ماكرون حرص بلاده على دفع العلاقات مع أفريقيا إلى آفاق بعيدة، خلال القمة الفرنسية الأفريقية، التى ستستضيفها مدينة بوردو الفرنسية (يونيو2020) تحت شعار المدن المستدامة.
فى ضوء المعطيات سالفة الذكر، تظل القارة السمراء داخل دائرة الضوء، فى ظل احتدام الأزمات بها، وتصاعد المنافسة العالمية والإقليمية على مقدراتها، وجسامة التحديات التى تواجهها، والتى من أهمها تطبيق مبادرة إسكات صوت البنادق خلال العام 2020، وهو أحد أبرز طموحات أجندة التنمية فى القارة.