21/11/2024

بوابة السـودان

صحيفة إلكترونية مستقلة

كيف تتحدث مع واشنطن؟

ما هو المدخل لذلك؟

وكيف يتأتى ذلك للسياسة الخارجية؟

ومن هم الفاعلون والمحركون للبركة الساكنة؟

بقلم/ السفير نصر الدين والي, سفير السودان السابق لدى منظمة اليونسكو ودولة فرنسا

العالم من حولنا تغير وطرأ على القانون الدولي ذات الأمر. مفهوم الدولة ذات السيادة الوطنية التي يتحصن خلفها الطغاة من الحكام جرفتها مياه سد فتح منذ سنوات مضت في عصر التغييرالسياسي الحداثي. 

الدبلوماسية التقليدية الراتبة، طرقها ووسائلها وأدواتها تغيرت وإلي الأبد, أصبح للعالم مركز واحد تدور حوله مجرات عديدة، فاعلة، ومؤثرة. و السياسة الدولية غدت أكثر ترابطاً وإنسجاماً كمن يدفع باصبعه رقعة دومينو فتتداعي جميعها وتسقط الواحدة تلو الأخري حتي آخر رقعه. تلك هي بعض حقائق في السياسة الدولية والتي لا تخطئها عين المراقب للشأن الدولي، تطوراته، تفاعله، وتأثيراته.

ولكن أين نحن من كل تلك التطورات التي تجري من حولنا؟ وهل من سبيل لإدراك مكنوناتها، ومن ثم التفاعل معها لتحقيق المصلحة الوطنية التي تمثل قمة مبتغي الثورة في السودان التي حددت أهداف المرحلة القادمة وتسعى لتنفيذ مراميها وبلوغ أهدافها بإحداث تغيير حقيقي وجوهري ومماثل في الفكر والثقافة والفعل في السودان يحسه المواطن؟

الحكومة الانتقالية لديها الآن فرصة تاريخية.. كيف؟

رئيس الوزراء وحكومته يبذلون جهداً واضحاً للعيان خاصة في شأن ومحور العلاقات الخارجية، وهذا أمر هام وجوهري وفي مكانه الطبيعي، بل أن السياسة الخارجية والدبلوماسية فيما يتصل بالشأن الخارجي كالدبلوماسية النمطية والرئاسية معاً، تصيبان نجاحاً متئداً، ومدروساً, ولكن هل هذا يكفي؟ وهل يخاطب مشاكل وجذورأزمة السودان كما ينبغي؟  وهل سبلنا وطرقها لبلوغ تلك الغاية تمضي متسقة وتستخدم المتاح من الأدوات الدولية انطلاقاً من مركز ومحور القرار الدولي كما يتوجب؟ تلك أسئلة بحاجة إلى إجابة توافقية من قناعة واقعية  للعقل الجمعي للسودانيين لمن هم في سدة الحكم الآن.

و لتوضيح وجهة نظري المتواضعة أقول: نقطة البداية يجب أن تبدأ من واشنطن، مركز القرار الدولي، رضينا أم أبينا. فالدول عظم شأنها وواقعها الاقتصادي والسياسي، أو قل؛ وفقاً لموقعها الجيو إستراتيجي ودورها في “منظومة المجتمع الدولي” تأسيساً على التعريف السياسي لهذا المفهوم المتعارف عليه. وتعريف ذلك المصطلح البازغ، “هو دراسة أثر الموقع الإستراتيجي من خلال تفعيل وتوظيف من خلال إستراتيجيات سياسية وإقتصادية وعسكرية ومعلوماتية وغيرها لتحقيق الأهداف الوطنية” إنتهى الإقتباس. وكذلك إتساقاً مع دورها الجيوسياسي؛ وتعريف ذلك مصطلح “الجيوسياسي” كمصطلح تقليدي “يقوم على مدى تأثير الجغرافيا على السياسة وهو علم دراسة تأثير الأرض، برها وبحرها ومرتفعاتها وجوفها وثرواتها وموقعها على السياسة في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات وفق منظور مستقبلي” إنتهى الإقتباس.

ويبقى السؤال المحوري؛ هل نحن مقبلون على الإستفادة من تلك المزايا لبلادنا فيما يتصل بترسيخ المبدأ الجديد الذي ستقوم عليه سياستنا الخارجية وممارستنا الدبلوماسية لتحقيق أهداف ومصالحنا الوطنية العليا؟ إن إندماج السودان في المجتمع الدولي سيعيد إليه قوته وتأثيره الإقليمي وسيزيد من إسهاماته السياسية؛ ولكن ذلك بالضرورة  أن يمر من خلال بعض الثوابت، ومن بينها:

  • تعاونه الأمني مع الولايات المتحدة الذي لا مناص منه ولا بديل له لتجاوزها وطيها لمرحلة ما بعد إنهيار نظام الإنقاذ وذلك بالتعاون المشترك الذي يحقق المصلحة  الثنائية والمشتركة.
  • تعاونه على المستوى الإقليمي لإجتثاث شأفة التطرف والإرهاب الدولي في محيطه وإقليم تتصاعد فيه متداخلات الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر من غرب وشرق إفريقيا،  و اضطراد الإستقطاب الحاد للشباب من قبل الجماعات الدينية المتطرفة في جنوب ليبيا من السودان والنيجر ومالي، وتزايد عمليات تهريب السلاح من ليبيا إلي جنوب مصر عبر السودان وتصاعد المهددات الجسيمة في تغذية العمليات الإرهابية في سيناء والمحاولات البائسة لزعزعة الإستقرار والأمن الإقليمي.
  • تعزيز تعاون السودان في كبح مخاطر التهديد المحتمل للعبور الآمن في قناة السويس خاصة إذا تبلورت فكرة بريطانيا الداعية لإنشاء حلف دولي لتوفير الحماية للعبور الملاحي الأمن في مضيق هرمز إن تطورا الفكرة البريطانية لتشمل السودان كدولة مطلة على البحر الأحمر وليست بعيدة من الأحداث في اليمن. وذلك بإسهام وتعاون للسودان المحتمل  في مراقبة ومحاربة التهديدات البارزة والكامنة على حرية الملاحة في باب المندب وخليج عدن و الأثر السالب والبالغ الأهمية في قضية تصاعد تهديد حرية التجارة الدولية عبر هذا الممر، مع إستمرار الحرب في اليمن والتدخلات الإيرانية في دعم الحوثيين بأسلحة وصواريخ أكثر تطوراً ودقة في تحديد الهدف وقدرة في الوصول إلي عمق الأراضي السعودية والمواقع الإستراتيجية فيها وغيرها، وربما تتطور تلك القدرات الحوثية التي لا يجب الإستهانة بها أو التقليل منها في الهجمات المُحتملة التي قد تشمل السودان وتؤثر على أمن البحر الأحمر أيضاً.
  • النظر في بقاء القوات السودانية القوة البرية ودراسة هذا الأمر في إطار توجهات سياسة السودان الخارجية الجديدة ومشاركة و تعاون السودان في الجهود الإقليمية والدعم الدولي لإخماد الحرب في اليمن.

ولكن يبقي السؤال الإفتراضي الأخير، هل إنسحاب القوات الإماراتية من اليمن سيزيد من السعي الدولي والأمريكي على وجه الدقة من دفع جهود التوصل لاتفاق عاجل للحالة السياسية في السودان لتكون من بين شروطها غير المعلنة ملء القوات السودانية الفراغ الأمني المساند في اليمن الذي تركته الإمارات لإرتباط ذلك مع التصاعد المضطرد للتهديدات البازغة في مضيق هرمز والخوف من انتقال العدوى لمضيق باب المندب المرشح للانتشار في الإقليم بما يزيد من تهديد حرية الملاحة في خليج عدن وربما البحر الأحمر وقناة السويس؟

من جهة أخري، فإن السودان شاء أم أبي، مقبل على تعاطي سياسي مسؤول ومبادر مع قضايا الشرق الأوسط، وعلى رأسها التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وعليه (مغادرة دكة اللاعبين)، للإسهام بما يحقق تلك التسوية السياسية التي تقوم على الاتفاقيات الدولية وحقوق الدولتين، ومبادئ القانون الدولي،كما تفعل بقية دول العالم المحبة للسلام.  فالسودان ليس دولة مواجهة، ولكن سياسة المواجهة لدول المواجهة التي تسري وتصل إلي السودان تحتم عليه إعادة ترتيب سياسته الخارجية لتواكب تلك التطورات.

وفي الماضي أقرت الجامعة العربية سياسة ملزمة على جميع عضويتها تقوم على مبدأ مقاطعة إسرائيل تحارباً في محاولاتها تصدير منتجاتها تحت لافتات شتي، هذا القرار ألزم الدول الأعضاء في مجلس الجامعة العربية إقامة ما يسمى بمكتب المقاطعة ضمن وزارات التجارة والإقتصاد، وقد إلتزام السودان بذلك القرار، وقد كان بالفعل هناك كتب للمقاطعة في وزارة التجارة؛ ومكتباً في وزارة الخارجية. وكلاهما لم يعد له وجود علي أرض الواقع الان! ولكنه أصبح ومنذ زمن طويل أثر بعد عين, ولم يعد السودان يمارس تلك المقاطعة، وهذا لا يعني بأن السودان يتعاطي مع إسرائيل تجارياً. التسوية للصراع العربي-الإسرائيلي عبر الإتفاقيات الأمريكية الثنائية.

السؤال، هل يتقاطع مبدأ التسوية للقضية الفلسطينية الذي يقوم على قيام دولتين ذات سيادة، والذي ما تزال تلتزم به دول الشرق الأوسط، بل و تنادي بتطبيقه رغم ما يكتنف ذلك من تحديات سياسية كبيرة؛ وجميعها تصب في خانة الإستراتيجيّات السياسية التفاوضية للولايات المتحدة، مع السياسات الداخلية للدول خاصة العربية والإسلامية منها في تحقيق التنمية والاستقرار والنماء لشعوبها؟  أم يصطدم ذلك بالقيود التي نضعها للنظر للواقع السياسي للحق الفلسطيني، لا الشعارات التي طالما دغدغت مشاعر العامة دون وعي مع مصالحنا الحقيقية؛ دون تفريط في حقوق الشعب الفلسطيني، وتحقيق استقرارها الداخلي والتنمية التي ننشدها لوطننا من جهة، و التفاوض والتوافق على مبدأ إقامة الدولتين كوسيلة لخلق التوازن بين الهدفين. قادة الدول العربية ودول المنطقة، (دول الكيان) مقتضيات التفريق بين تلبية مصالح شعوبهم ودولهم والمباديء التاريخية المرتبطة بالقضية المركزية للشعوب العربية والإسلامية وما يلبي طموحات وأمال الشعب الفلسطيني بواقعية سياسية الاستقرار والنماء مقابل التعايش مع إسرائيل وارتباط أجندة إتفاقية التجارة الحرة التي تدخل في صلب السياسة الأمريكية-الإسرائيلية في المنطقة.

فإتفاقية التجارة الحرة التي طرحت فكرتها الولايات المتحدة معلنة تأسيس منطقة للتجارة الحرة تشمل ٢٠ كياناً رمز لهم بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وصممت الولايات المتحدة الأمريكية الفكرة حول سعيها للتفاوض مع كل دولة على حدة لتجمع خلاصة الاتفاقيات الثنائية لتصبح اتفاقية واحدة تضم الولايات المتحدة والكيان المشار إليه. والدول العربية الموقعة على هذه الاتفاقية (ضمن هذا الكيان) هي الاْردن، البحرين، مصر؛ المغرب وسلطنة عمان. وتقول ويكيبيديا “أن آثار تطبيق الاتفاقية على السلطنة منذ اليوم الاول، تدفق كافة السلع الاستهلاكية والمنتجات الصناعية بشكل كامل معفاة ٪‏١٠٠ من أي رسوم جمركية.*(٣) *أما اتفاقية التجارة الحرة الأمريكية صممت لتصبح أكثر الاتفاقيات سهولة في الانضمام والمصادقة مقارنة بالمفاوضات المتعددة الأطراف. ومرامي هذه الاتفاقية الثنائية في شكلها ومضمونها الأساسي رفد إتفاقية التجارة الدولية، وربما تمهيداً للدول للإِنْضِمام لتلك الإتفاقية المتعددة الأطراف، وهي الاتفاقية التي تعمل كل دولة جاهدة لاستيفاء الشروط تمهيداً للإِنْضِمام لها.

* (٢) وفي حالة مصر، تقول خلاصة التحليل أنه توقيع مصر على الاتفاقية ودخولها حيّز التنفيذ تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية في مصر على المستويين القطاعي والكلي!! *أما وفي حالة الاْردن، فقد وقعت الأردن اتفاقية أخرى مع الولايات المتحدة، هي اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (Qualified Industrial Zones) وتقوم تلك الاتفاقية علي تشريع أمريكي أقره الكونغرس في العام ١٩٩٦ يسمح بموجبه للأردن بتصدير منتجات للولايات المتحدة الامريكية معفاة من الرسوم الجمركية ودون حصص محددة شريطة وجود مكونات ومدخلات إسرائيلية المنشأ في هذه المنتجات المنتجة في المناطق الصناعية. *وهذه الاتفاقية ما هي إلا توسيع لإتفاقية التجارة الحرة الأمريكية الإسرائيلية؛ وفيما بعد وقعت مصر بروتوكولاً مماثلاً مع الولايات المتحدة أتاحت لها ذات الإمتيازات. وتلك الإستراتيجية الأمريكية تمهد لترسيخ إندماج إسرائيل كدولة في الإقليم، ونافذة لاندماجها في الشرق الأوسط. ككيان حيوي ومحوري من حيث التأثير في التسوية المستهدفة للصراع العربي-الإسرائيلي.

لقد اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية منهج ” (Bottom-Up Approach) في إبرام اتفاقياتها مع دول المنطقة، حيث تجرى مفاوضات للتوصل لاتفاقية تجارية ثنائية شاملة مع دول المنطقة؛ ليتم حصرها في النهاية في اتفاقية واحدة تضم الولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة ككل. ولكن تبقى المشكلة الرئيسة هي البحث  في الإجابة على التساؤل حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الاتفاقية المقترحة للتجارة الحرة بين مصر وغيرها من دول الكيان والولايات المتحدة الأمريكية وضماناتها في تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية في تلك الدول في حالة دخول الاتفاقية حيز التنفيذ وذلك على المستويين الكلى والقطاعي مثلما حدث في حالة سلطنة عمان؛ وذلك لعدم تشابه الظروف السياسية *(٣). *

هذه الأتفاقيات والبروتوكولات الأمريكية الثنائية ما هي إلا جزء من سلسلة مترابطة ومحكمة الحلقات الإستراتيجية المتكاملة التي ترمي لتكريس وجود إسرائيل كواقع ودولة في المنطقة من خلال التعاون التجاري المشترك، في مسعى وتوجه سياسي لنزع فتيل العنف والأزمات بشكل نهائي. *ويجيء الترتيب لطرح تلك الإتفاقيات قبل وقت طويل من إعلان سياسة الولايات المتحدة للتسوية للقضية الفلسطينية-الإسرائيلية عبر مشروع إقامة الدولتين. ومن ذات الباب دخلت فكرة إتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة التي لا تعدو أن تكون إتفاقية عنوانها (إتفاقية التجارة الحرة) ولكن حقيقتها، إتفاقية التجارة الحرة لإدماج إسرائيل كواقع في المنطقة. *والدول العربية (الكيان) تعي ذلك، ولكنها تعي أكثر مصلحة شعوبها وحاجتهم الماسة للسلام والعيش المشترك؛ والمحرك الأساسي والدافع للدخول في تلك الإتفاقيات يستند لقبول فلسطين بالتسوية الأمريكية كمدخل لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط. 

*إذن التوقيع على الاتفاقية الثنائية كواحدة من دول (الكيان) هو الشرط الممهد للإِنْضِمام لإتفاقية التجارة الدولية، الاتفاقية المتعددة الأطراف التي تسعى جميع الدول للإِنْضِمام إليها. وهي إتفاقية التفاوض فيها عسير تكتنفه مصاعب سياسية واقتصادية عديدة. والسودان ما يزال في طور استيفاء الشروط المؤهل للتفاوض. *السؤال، أليس من الواضح بأن التفاوض للإِنْضِمام لإتفاقية التجارة الدولية يمر عبر بوابة التجارة الحرة (لدول الكيان)؟

وتلك دعوة للجلوس والتحاور والتفاكر بهدوء فيما يتوجب علينا فعله، وأحسب بأن في الأمكان أن يدلو كافة خبراء السياسة والدبلوماسية بدلوهم لإثراء النقاش، ولن يكون مصيب وأخر طائش السهم. وبالطبع، فإن المراقب للشأن الخارجي يعي ويعلم بأننا في مرحلة تحول، علي الأقل كما ننظر لها نحن السودانيون، و يشاطرنا الرأي العالم من حولنا، ولكن ليس بالضرورة أن ينشغل ذاك العالم بدقائق أمورنا ويتفاعل معها ومعنا ما لم نطرق الباب طرقاً خفيفاً ونحن علي يقين بأن المزلاج الصدء سيدور محدثاً صريراً ليفتح لنا (نفاج) تشع منه أشعة تتسلل علينا وعلي بلادنا نلح من خلالها لتلمس طريق التغيير السياسي العلمي والمفضي رويداً رويداً لاهدافنا وغايتنا. من أين إذن نبدأ؟ وما هي خطانا المحسوبة التي نقرها (قدر لرجلك قبل الخطو موضعها … فمن علا زلقا عن غرة زلجا).

المدخل الفاعل والمؤثرمع الجهاز التنفيذي في الولايات المتحدة، ورمزها الإدارة الأمريكية والجهاز التشريعي بشعبتيه، الكونغرس ومجلس الشيوخ، ومن جهة أخري مراكز الرأي العام، الموجه؛ الذي تشكله صحف، وكتاب  لا يحدث إلا بالانخراط في حوار شفاف وبناء مع مراكز البحوث، Think Tanks في واشنطن والفاعلين، والباحثين فيها.

مراكز البحوث في واشنطن تختلف بإختلاف توجهاتها، فمنها على سبيل اليميني والليبرالي ومنها ايضا المتوازن. 

خارطة طريق للتعاطي مع مراكز البحوث

علينا أولاً، أن نتوافق علي أهمية دور وفاعلية وتأثير تلك المراكز في تشكيل موجهات السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه مختلف الدول والأحداث الدولية والأزمات والصراعات البازغة والتحالفات الإقليمية ومواقف الولايات المتحدة حول ما يجري داخل شتي الدول تأثير تلك الأحداث وردود فعلها السياسية، وكذلك تفاعل الدولة المعنية تجاه الأحداث الدولية الذي يعكسه موقف الدولة السياسي.

وعلينا أن نتوافق ايضاً على أن مراكز البحوث العديدة في واشنطن مراكز البحوث عديدة في واشنطن، وتوجهاتها تختلف بإختلاف التمويل والجمهور الذي يتابع ويستقي منها التحليلات السياسية، فمنها على سبيل اليميني والليبرالي ومنها ايضا المتوازن. و شغلها الراتب هو العمل السياسي الدؤوب في التحليل والبحث والتوصية للإدارة الأمريكية وصناع القرار فيها على المستويين التشريعي والتنفيذي، كما يستفيد المتلقي والمراقب من المنظمات واللوبي من تلك المعلومات من تشكيل رأي محدد يقوم ويستند على جملة أراء يقدمها هذا المركز أو ذاك. وذلك عمل تعرفه الأوساط السياسية في واشنطن وفي كل الدول التي تعي أهمية ودور تلك المراكز نحو بلدانهم.

السودان الآن، في تقديري، بحاجة للتوقف عند تلك المراكز، والسعي للتفاعل معها، لتوصيل وجهة نظره بإدارة حوار بناء. فالمعلومة التي قد تصل للباحثين في تلك المراكز قد تكون ناقصة، أو غير دقيقه، ولا تعكس واقع الأشياء، ولتشكيل خلاصات بأي قدر تصب في مصلحتنا، علينا التعاطي مع تلك المراكز.

وعلينا السعي للمعرفة الدقيقة لتوجهاتها، ولا أقول أن نتعامل معها جميعاً، فهناك مراكز تدعم تيار سياسي بعينه،   أو دولة ما، أو توجه ما، وغير متفتحهوش بشكل شفاف للرأي الآخر، لأن لها قضايا مركزية تقوم عليها فكرة إنشاء المركز ذاته، وبالرجوع لتوجهات المركز يمكننا أن نميز بين تلك المراكز؛ ولتلك المراكز تحديداً توجهات راسخة لا يغيرها البتة. 

ولكن هناك مساحة واسعة للتعاطي مع مراكز أخري غير تلك المراكز لتغيير الفكر النمطي البائس والذي ساد لفترة طويلة عن بلادنا بسيل سوء الإدارة والحكم فيه، بسبب سجلها في حقوق الإنسان ونأيه عن الحكم الراشد ومجافاته للشفافية وقمع للحريات والإنفراد بالسلطة وإثارته للأزمات واختلال بوصلته السياسية.

هناك بالفعل مراكز يمكننا الانفتاح على قضايا السودان، تناولاً وبحثاً لمبدأ الشفافية والمعلومة الصحيحة والرغبة في تغيير الواقع السياسي تفاعلاً مع ما يحدث في العالم ويكتسيه من تطورات وتحولات شملت مجمل السياسة الدولية والمبادئ العامة للقانون الدولي والتعاون والشراكة الدولية.

المراكز الوسطية يمكن أن تمثل بداية لهذا التوجه السياسي والدبلوماسي للسودان في هذه المرحلة السياسية الهامة التي تمر بها بلادنا. للسودان ذخيرة وحبوبة واسعة من السودانيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة ولهم إهتمامات بهذا الشأن، ويضاف عليهم الناشطين والمتابعين والعاملين في الكونغرس ووزارة الخارجية والمجالس البلدية والكونغرس المحلي في الولايات المختلفة والموظفين في مكاتب أعضاء الكونغرس ومجالس الشيوخ، وكل أولئك يمثلون رصيداً داعماً لمثل هذا التوجه. ويمكن للسودان الإستفادة الطوعية منهم، حتى يأتي للسودان الحصول على رخصة للتعاقد مع مكتب Lobby في واشنطن. 

وهناك ايضاً الكتاب الإستقصائيين، وغيرهم من شباب الثورة من الفاعلين في محيط السياسة ومراكز البحوث والكونغرس في فرجينيا وميريلاند وواشنطن؛ وكل أولئك يمكن أن يمثلوا رأس الرمح في إبتدار القضايا ومادة الموضوعات التي تحتل مكاناً بارزاً في الاهتمامات الأمريكية تجاه السودان، وبإمكانهم أن يكونوا بمثابة Think Tank سوداني طوعي لإبراز تلك القضايا الساسة الجدد في الحكومة الانتقالية في حوارهم مع مراكز البحوث. كما بإمكانهم أن يتولوا إعداد البحوث ومقالات الرأي عن القضايا التي تهم السودان للاستفادة متعافي تعاونهم وصلاتهم الوثيقة مع مراكز البحوث.

علينا أن نتوافق أولاً علي المبدأ والغاية والوسيلة إلي تحقيق مصلحتنا الوطنية، ومن ثم ندلف إلي الكيفية للتعاطي مع السؤال المحوري… كيف نتحدث مع واشنطن؟  أمس قبل اليوم

المرجع في (١)و(٢) ويكيبيديا المرجع في (٣) فيكتور شاكر، اتفاقية التجارة الحرة المقترحة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية: تحليل ديناميكي بإستخدام التوازن العام الحسابي، Noor Publishing

التحق السفير نصرالدين والي بوزارة الخارجية السودانية كدبلوماسي مهني في فبراير 1985. عمل كدبلوماسي في الرباط والرياض وإنجمينا ونيويورك وواشنطن. وعمل سفيرا مفوضا فوق العادة لدى جمهورية رواندا والجمهورية الفرنسية، وسفيرا غير مقيم لدى الفاتيكان والبرتغال وموناكو ومندوبا دائما لدي منظمة اليونسكو بباريس.