05/05/2024

بوابة السـودان

صحيفة إلكترونية مستقلة

موقعة كافوري والمعالجة الأمنية والإعلامية

بقلم محمد شمس الدين / إعلامي وكاتب صحفي سوداني مقيم في القاهرة


منذ أشهر قليلة حين قام عدد من الحرس المسؤولين عن تأمين واحدة من القاعات التي استضافت المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء بالإعتداء على بعض الزملاء الذين حضروا لتغطية مؤتمره الصحفي تعهد رئيس الوزراء على الهواء بمحاسبة من قاموا بذلك الفعل وقدم اعتذاره لهم. وكان سقف التوقعات اليوم عند نفس المستوى, أن يعلن على الملأ عن تحميل المسؤولية للأطراف المفوضة بتأمين العاصمة وتأمين مواطنيها الذي استشهد بعضهم اليوم ولم يخطر على بال أحدهم أن يذكر أسمائهم تكريما لهم, فقد استشهد في هذه الاشتباكات طفلين مع والدهم وعدد من رجال القوات النظامية, كل منهم كان يحلم بوطن آمن, دم المواطن السوداني ليس رخيصة لدرجة أن لا يحاسب المسؤولون عن دمائهم الزكية التي سالت وأرواحهم التي فارقت أجسادهم.

بيان رئيس مجلس السيادة برفقة رئيس مجلس الوزراء على وسائل الإعلام كان أمرا مرتقبا لكنه لم يكن سوى بيان شجب واستنكار لما حدث وكأن تلك المعركة الشرسة حدثت في دولة صديقة! ثم خرج بيان رئاسة الأركان في شكل هزيل ليزيد الطين بلة!

عن أي نصاب تحديدا يتحدث رئيس مجلس السيادة؟ لأنه اذا كان المقصود بذلك المرحلة التي سبقت الأحداث المخزية فذلك محزن, حيث لم تكن الأمور في النصاب الصحيح بدليل حدوث هذه الكارثة. الشعب كان ولازال  ينتظر بيانا يدل على الاستقرار والحزم وصرامة القانون ويعيد هيبة المؤسسة العسكرية وبقية الأجهزة الأمنية وكان ولازال ينتظر تنويرا كاملا عن ماحدث بمعطيات وأسباب وخطوات عملية للمعالجة والاعتذار.. لكن لم نسمع ما يدعو للتفاؤل  والاطمئنان!

توقعنا الإعلان عن إعفاء عدد من القيادات المعنية بما جرى والمسؤولة عنه, ولكن لم يذكر السيدان في بيانهما شيئا! و اذا كان سيتم إبقاء المسؤولين  حتى عند وصول الأمر إلى هذا الحد في مناصبهم والطبطبة عليهم فلن نتقدم خطوة إلى الأمام.

كان لابد من الضرب بيد من حديد في هذا اليوم تحديدا وكشف من كان يقف وراء هذا المخطط بشكل رسمي.. بدلا من أن يتم توجيه الاتهام لقوش في مؤتمر صحفي لحميدتي من خارج الحدود وبأسلوب يظهر مدى المكايدات والمزايدات التي كانت ولازالت بينهما وبين أنصارهما، وكذلك توجيه الاتهام بشكل غير رسمي لجهاز الأمن ومديره في نفس المؤتمر الذي كان توقيته غير مناسب بعد مضي ساعات من بداية الأحداث.. وكان يجب الاكتفاء بالمؤتمر الصحفي الذي خرج من العاصمة ليعطي الرسالة المطلوبة في مثل هذه الحالات الحساسة لتفيد بأن الأجهزة التنفيذية والأمنية تسيطر على الأمور، بدلا من إرباك المشهد بتلك الطريقة التي تابعناها والتي تكشف حالة التشتت وعدم التنسيق والارتجال.

عدم التنسيق والارتجال هو الذي أدى إلى هذا الاختراق الأمني الذي كان في أوضح مستوياته، والذي لا يمكن تبريره أو رمي اللوم بشأنه على من دبر وقام بالاختراق لأسباب عديدة أهمها أن ذلك سيكشف مدى الضعف الذي يعتري الأجهزة الأمنية، كما أنه يقدح في مصداقيتها ومصداقية القيادة التنفيذية إذ بكل بساطة سبق وتم الإعلان عن إخماد ثلاث محاولات انقلاب سابقة منذ الإطاحة بالنظام السابق.

بالطبع لن يتوقع أحد أن تتحمل القيادة السياسية المسؤولية حيث أنها ليست لوحدها في ذلك بموجب الاتفاق السياسي . ولكن إن كان الجميع غير قادر على توقيع العقوبات الرادعة بحق المسؤولين تنفيذيا وأدبيا وإعلان ذلك فهذا سيبعث بكثير من الرسائل السلبية التي منها أن الإدارة الحالية للبلاد فاقدة للهيبة والقوة وأن هناك من يبتزها.. أو أنها موافقة على الإبقاء على من سمح بقصد أو بغير قصد ليستمر في إدارة ملفات أمن البلاد, فضلا عن صورة الدولة التي ستهتز كل من كان ينوي القدوم السودان حيث شاهد كيف يمكن لمن تم تسريحه من الخدمة أن يستولي على سلاح ثقيل ويدير معركة شرسة في العاصمة (هذا ما خُطط له تماما) وبالتالي كان يجب أن يكون الرد بمستوى يحمل رسالة اعتذار وبيان بالعمل تتضمن اتخاذ القرارات الرادعة التي تحسم الترهل والتراخي والفشل أو التآمر لأن يصل الأمر ما إلى هذا الحد الذي أزهقت فيه أرواح بريئة.

وهنا اتسائل ..الخسائر التي تكبدتها الدولة جراء تعطل مؤسساتها ليوم عمل كامل إضافة إلى خسائر إغلاق المجال الجوي الذي يرفد الميزانية بأرقام جيدة من سيتحمل مسؤوليتها؟حالة الرعب التي عاشها مواطني العاصمة من يعوضهم عنها؟ 

حتى البيان الذي بث تم بشكل ارتجالي لم يكن مدروس من حيث التوقيت ولا المضمون, فإن كان المقصود بالبيان هو الشعب فالشعب كان في نومته السابعة بعد يوم مرهِق معنويا وجسديا.. وليس هناك معني بالبيان سوى الشارع السوداني.. فالخارج يتابع عبر القنوات الرسمية وعبر البعثات الدبلوماسية في أوقات العمل الرسمية. 

عليه نتوقع أن يكون هناك مؤتمر صحفي يليق بهذا الشعب الأبي يكون مقنعا ومحكما ويحمل إشارات تدل على الحزم الذي يستدعي الموقف.. وإلا فإن ذلك سيكون خصما على الحكومة الانتقالية واستنزاف رصيدها من الثقة عند الشارع الذي مازال يضع الثقة فيها.

أمر أخير أود الإشارة إليه يتعلق بالتناول الإعلامي المحلي خاصة الرسمي الذي كان غائبا عن مواكبة التطورات وأقصد المواكبة اللصيقة صوتا وصورة وقد كان الزملاء الأعزاء في وسائل الإعلام العالمية مصدر المعلومة, وهذا أمر غير مقبول لكن ولأنني على دراية بما يحدث في الظروف المشابهة و حالة الاستنفار الأمني التي تفرض في مثل هذه الحالات تؤدي لإغلاق المنطقة التي يتواجد فيها التلفزيون في أم درمان فإن ذلك قد يكون أمرا خارجا عن الإرادة ولكن كان يفترض أن يحدث نوع من التعبئة الإعلامية واستغلال مقرات القنوات المتواجدة في مناطق أخرى من العاصمة وفتح تغطية مشتركة تنقل بشعار التلفزيون على مختلف المحطات, كما يفترض أن يكون هناك أكثر من استوديو احتياطي في مدن العاصمة الثلاثة لأي ظرف طارئ لا قدر الله.

خلاصة القول.. أن أي نوع من أنواع المعالجات الأمنية والسياسية لن تؤتي ثمارها إن لم تجد الإسناد الإعلامي الذي يعد السلاح الأقوى في هذه المرحلة.. وأشدد على الإسناد الإعلامي وليس عبر الصحافة المكتوبة.

ختاما إما استقالات (وهذا مستبعد) وإما الإقالات ..

حفظ الله البلاد والعباد وأبعد عنها شر الفتن.. ما ظهر منها وما بطن.