24/11/2024

بوابة السـودان

صحيفة إلكترونية مستقلة

دوامة الارتزاق لن تنتهي، والجنجويد صالحون لكل زمان ومكان

أبو المعالي الحسن المكي، صحفي سوداني مقيم بالولايات المتحدة

كنت في زيارة لمسقط رأسي، مدينة نيالا قبل عامين. نصحني أخي بشراء قطعة أرض هناك, ذهبنا للقاء أحد تجار العقارات، والذي أخبرنا بأن سوق العقارات يشهد ارتفاعا جنونيا في الأسعار. سألته عن السبب فقال لي: اليمن. قلت له وماذا عن اليمن؟ قال لي إن حرب اليمن قد غيرت الموازين الاقتصادية في المدينة.

يقول تاجر العقارات إن الأموال التي يحولها الجنود المقاتلون في اليمن ساهمت في ارتفاع الأسعار، أسعار كافة السلع. تفيد تقارير بأن راتب الجندي السوداني في اليمن يعادل (13) ألف ريال سعودي، وهو مبلغ كبير جدا، بالمقارنة مع الرواتب التي يحصل عليها جنود الدعم السريع في السودان.

هذه المبالغ الطائلة، بلا شك، رغّبت الكثيرين، من مختلف الفئات العمرية، في الالتحاق بقوات الدعم السريع. لقد رأينا أطفالا صغارا لا يقوون حتى على حمل البندقية ضمن هذه القوات، في مخالفة واضحة وصريحة للقانون الدولي، الذي يحظر تجنيد الأطفال أو استخدامهم في الحروب.

أخبرني صديق لي أن مدارس كاملة في شرق دارفور، بأساتذتها وتلاميذها، قد صارت شبه خالية، ليس لأي سبب سوى أن التلاميذ والأساتذة، على حد سواء، قرروا ترك الدراسة والالتحاق بقوات الدعم السريع، أملا في الحصول على فرصة ذهبية للمشاركة في حرب اليمن.

الدراسة، وفقا لبعضهم، لم تعد مجدية مقارنة مع القتال في اليمن. الدراسة تأخذ وقتا طويلا حتى يتم جني ثمارها. بل إنه ليس مضمونا الحصول على وظيفة مجزية بعد التخرج من الجامعة. فالكثيرون من الشباب يعانون من البطالة بعد التخرج.ولذا، فليس من المنطقي، بالنسبة لهؤلاء الشباب، تفويت فرصة اليمن الثمينة هذه. أخبرني صديقي أيضا أن مقر البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في مدينة الضعين، في ولاية شرق دارفور، وبعد أن أخلته البعثة وسلمته لحكومة السودان، بغرض استخدامه للأغراض المدنية، تم تحويله إلى معسكر للدعم السريع، يتلقى فيه الشباب الصغار التدريب قبل ترحيلهم إلى اليمن.

التدريب في الكثير من الأحيان ينحصر فقط حول كيفية استخدام الأسلحة الخفيفة. فالحاجة للجنود على الأرض ماسة جدا. وليس هناك وقت كاف لتدريبات متقدمة. وبالتالي ففي الكثير من الأحيان تبدو هذه التدريبات خفيفة.

بلا شك أن حرب اليمن أصبح مصدرا يدر أموالا طائلة وبصورة سريعة. وبالتالي فلا غرو أنها تجذب كل هؤلاء الشباب الصغار البائسين، الذين يعانون من البطالة والفقر. يقال أيضا إن بعض العائلات يقدّمون الرشوة إلى ضباط الميليشيات لاستيعاب أبناءهم ضمن صفوفها وبالتالي إرسالهم إلى القتال، وتتراوح أعمار كثيرين من هؤلاء ما بين 14 و17 سنة.

الان، وبعد سنين عديدة من هذا القتال العبثي في اليمن، يبدو أن الوضع قد تغير قليلا. يقال إن الصرف لم يعد بذخيا كما كان عليه من قبل وإن الجنود السودانيين لا يتلقون رواتبهم لأشهر عديدة، ما أثار موجة سخط وتذمر في أوساط الجنود السودانيين الذين تدفع بهم السلطات السعودية إلى الخطوط الأمامية للقتال.

يبدو أن دوامة حروب الارتزاق والوكالة هذه مستمرة ولا نهاية لها. فما إن ينغلق باب حتى ينفتح باب آخر. لقد بدأ عهد السعودية في الاندثار لينفتح باب آخر في ليبيا، ولو أن استخدام الجنود السودانيين في القتال في ليبيا ليس بأمر جديد. فقوات الحركات المسلحة ظلت، ولسنين، تقاتل إلى جانب مختلف الأطراف الليبية. حديثا انضمت إليها قوات الدعم السريع التي يقال إن تقاتل إلى جانب اللواء خليفة حفتر. وهذا أمر أكدته الأمم المتحدة رسميا أن السودان من بين الدول التي تصدر جنودا للقتال في اليمن.

معروف أن عملية تصدير المقاتلين السودانيين إلى السعودية وليبيا تشوبها الكثير من التعقيدات السياسية والإثنية والاجتماعية. فغالبية مقاتلي مليشيا الدعم السريع يتبعون للقبائل العربية. هذه القوات قد اتخذت أشكالا وأنماطا عديدة خلال مراحل الصراع في السودان.

كانت حكومة الرئيس السابق عمر البشير قد استعانت بهذه المليشيات لقتال الحركات المسلحة، التي ينتمي غالبية أفرادها إلى القبائل الإفريقية. وقد اتهمت هذه المليشيات بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين العزل، الأمر الذي حدا بالمحكمة الجنائية إلى إصدار مذكرة توقيف بحق البشير ومسؤولين آخرين بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في دارفور.

تتكون هذه المليشيات من آلاف الأجانب، الذين وفدوا من بعض الدول المجاورة. أغرتهم الحكومة، مع بداية حرب دارفور في عام 2003، بالكثير من الوعود منها المال والأرض. ولذا فمجيئها إلى السودان في بداية الأمر كان أيضا بغرض الارتزاق. الآن، وقد تبدل الحال بعد توقف الحرب وانتفاء أسباب (إن جاز التعبير) بقاء هذه المليشيات في السودان، ربما تبحث عن وجهات أخرى للارتزاق.

صحيح أن الغالبية العظمى منها قد تم استيعابها ضمن قوات الدعم السريع إلا أن ذلك لا يعني أنها تخلت أو ستتخلى عن صفة الارتزاق. فهذه المليشيات لا تربطها عقيدة عسكرية قوية، وبالتالي فالاعتماد عليها كجيش نظامي يراه البعض بأنه ” أمر غاية في الخطورة.”