24/11/2024

بوابة السـودان

صحيفة إلكترونية مستقلة

الدعوة لمؤتمر دولي لإعادة تنمية السودان

بقلم/ السفير نصر الدين والي, سفير السودان السابق لدى منظمة اليونسكو ودولة فرنسا

السودان دولة خارجة من النزاعات و الحروب وآثارها المدمرة على الصعيد السياسي والإقتصادي والأمني والإجتماعي. آثار الحرب في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، تمثل عائقاً أمام نهضة البلاد؛ كما أن الآثار السلبية للانتهاكات في مناطق الصراع بحاجة ماسة لمخاطبة سياسية واقتصادية وتنموية إسعافية عاجلة، كل ذلك يتقاطع مع العزلة السياسية المفروضة على السودان والتي تعيق تعاطي المجتمع الدولي مع السودان. 

وفي هذا السياق، فإن الوضع السياسي للسودان كأساس لتعاطي المجتمع الدولي مع بلادنا، بحاجة آنية لمؤازرة  ودعم سياسي وتنموي مؤسسي. وقد سبق أن تعرضت في مقال آخر بعنوان “عودة السودان للمجتمع الدولي” لهذا الجانب؛ وفي تقديري إن رفع إسم السودان من الدول الراعية للإرهاب يمثل حجر الزاوية أمام السودان الإندماج الفعلي للسودان في منظومة المجتمع الدولي بغية التمهيد للاستفادة الحقيقية والفاعلة من الدعم التنموي الدولي، ومن ثم الشراكات  المُحتملة معه في المرحلة الثانية من مراحل التحول وإعادة البناء. 

الآن، وبعد تحرر الإرادة السياسية السودانية، تتطلع البلاد لتمهيد الخطي السياسية لتحقيق التطور المرحلي لإعادة الاندماج في المجتمع الدولي وتفعيل المشاركة السياسية والإقتصادية والتجارية المنشودة في الإسهام ورفد التعاون الدولي في كافة القضايا والمجالات الحيوية التي تعود بالمنفعة المتبادلة. ويقيني أن فرصة سانحة تلوح في الأفق للسودان في الانتفاض والابتعاد عن حالة العزلة السياسية البائسة والمكبلة لدوره  والتي ظلت تخيم على تفاعله وريادته التاريخية كدولة إفريقيه متفردة في الثروات الطبيعية والإمكانات البشرية الهائلة، علاوة على ما تحظى به من موقع جيو إستراتيجي وعمق أفريقي تتعاظم أهميته في ظل التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي لها دور حيوي في كبح جماح والآثار المدمرة للعنف والنزاعات.

فإن بزوغ فجر السودان الجديد من شأنه تعزيز آفاق ذلك التعاون الإقليمي والدولي المشترك كجزء مفقود للسودان في الأرتباط بالقارة الإفريقية، عمقنا الإستراتيجي، وذلك بالشراكات التجارية والاقتصادية المؤثرة في حياة الشعوب، والإسهام بالتبادل السلعي الحيوي من الإنتاج الزراعي والحيواني والحبوب والصناعات التحويلية بأشكالها المختلفة، بجانب تبادل الخبرات الكبيرة في المجالات الحيوية التي تظل العديد من الدول في المحيط الأفريقي للسودان، والتي تزخر بها بلادنا، بحاجة ماسة لها، وفتح الأسواق المشتركة، وزيادة فرص العمل لزيادة استيعاب طاقات الشباب، والنأي بهم عن البطالة والاستقطاب الديني المدمر والتطرف، وكبح الهجرة غير الشرعية، وتهريب السلاح والاتجار في البشر والمخدرات، .

وغني عن الذكر أن الإتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه ويفضي إلى التوافق على شكل الحكم في السودان، ومهد إلي إقامة هياكل الحكم كبداية للتحول الديمقراطي، يعتبر الخطوة الأولى في طَي صفحات الماضي في هذا البلد الأفريقي العربي الشاسع. وعلى الصعيد الداخلي يمثل حجر الزاوية للإيذان بوضع حد لحالة الاحتراب والعنف  وإشاعة السلام في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، ويكون بمثابة اللبنة الأولي لمخاطبة الآثار السلبية والمدمرة جراء ما أحدثته سياسة النظام البائد والانتهاكات الصارخة للقانون الدولي في تلك المناطق. بجانب ما توجبه المحاسبة لتلك الجرائم التي هزت الضمير الإنساني. 

وعلى الصعيد الداخلي فإن الإتفاق السياسي وما يتبعه من تراضي سياسي في الحكم، وبوادر اتفاق مع الجبهة الثورية وكافة المكونات الثورية للكفاح المسلح، سيحقن الدماء ويضع حد لحالة التفرقة بزوال الدواعي لرفع السلاح وإلى الأبد، ونبذ السياسات الحكومية التي فاقمت وأفضت إلى إنعدام الأمن والسلام والإستقرار في ربوع السودان، وإيقافها لعجلة التنمية، وإفرازها لحالة الضنك والفقر التي يعيشها المواطن السوداني، وما أدته من إنعدام الإحتياجات الضرورية بما يناسب دخل الفرد العادي. 

فالسودان بلد بحاجة للتصالح مع نفسه، ومعالجة جذور أزمة الحكم، وإدارة التنوع وتواتر الفشل السياسي الذي صاحب كامل التجربة السياسية في الحكم في السودان خلال الفترة من تطوره نشأته إلى يومنا هذا، ومعالجة جذور القبلية والجهوية حتى أضحت سمة بائنة في البلاد، ووضع حد لظواهر أشكال الإفلات من العقاب، وإشاعة أسس العدالة والإسهام في إيقاف انفراط العقد الاجتماعي وتعميق الشقه الإجتماعية بين مكونات المجتمع السوداني الحضري، وبين أهل الإقليم الواحد، دارفور، والذي كان من بين أكثر أقاليم البلاد تماسكاً وتمازجاً وتعايشاً. وهذا لن يحدث بين ليلة وضحاها ؛ ولكن علينا أن نبدأ بخطوة جادة وواثقة نحو ذلك المبتغى.

الإعداد لمؤتمر المانحين لدعم السودان.

 يمكن للسودان الإعداد لمؤتمر اقتصادي داخلي عاجل لتحديد الأولويات والتحديات والفرص التي يشملها الدعم الدولي. ولا شك أن من شأن الدعوة وعقد هذا المؤتمر الدولي للمانحين تجسيد الأهمية التي يعقدها المجتمع الدولي لدور السودان ضمن منظومة التعاون الدولي؛ وذلك للآتي:

١- المبادرة بعقد المؤتمر سيعزز الثقة بين السودان والمجتمع الدولي ويفتح أفاق جديدة للتعاطي مع الحكومة المدنية للسودان الجديد.

٢- عقد المؤتمر في هذا الوقت الدقيق سيرسل رسالة قوية من المجتمع الدولي لدعم أولويات السودان والتي علي رأسها قضية دعم السلام في  السودان وترسيخ أهميته البالغة في قضايا الاستقرار الداخلي والإقليمي؛ والعودة الطوعية للنازحين واللاجئين إلي مناطقهم، ويمثل المؤشر لحشد الدعم التنموي الدولي والإقليمي لإعادة الإعمار، وتوفير الخدمات الأساسية والملحة، وإشاعة ثقافة السلام والتعايش السلمي بين المزيج السكاني في تلك المناطق.

٣- الدعم الدولي الذي من المؤمل أن يتبناه المؤتمر بإمكانه الإسهام في جهود إعادة الدمج والتسريح لقوات الجبهة الثورية والحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال والحركات المسلحة الأخرى، وإعادة بناء  قوام القوات المسلحة على نسق الجيوش المهنية في العالم في إطار التحول الديموقراطي الذي ينتظم السودان.

٤- إن الدعم السياسي والالتزامات الإقتصادية الدولية والدعم التنموي والتي يعقبها إلتزام بالإسهام الفعلي وفق قيد زمني من المؤمل أن يحظي بها السودان من الدول والصناديق الإقتصادية التمويلية (شريطة دعم الولايات المتحدة للمؤتمر وموافقتها لتسهيل وضمان انسياب الدعم المادي للسودان عبر إصدار . إن انسياب الدعم الدولي هو الوسيلة لإحداث تغيير ملموس لإعادة إعمار ما دمرته الحرب في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وكذلك المناطق التي عانت من التهميش والضمور التنموي الواسع في شرق البلاد وشمالها.

٥- المؤتمر والدعم الفعلي للولايات المتحدة؛ من شأنه أيضاً الإيذان باستهلال شراكات ثنائية ودولية فاعلة لترسيخ الإنتقال للحكم المدني، وكذلك إسهامه الملموس في إحداث تغيير في السياسة الداخلية بخلق فرص عمل لاستيعاب طاقات الشباب وتوظيفها في عملية البناء والنأي بهم من الاستقطاب السلبي بشتى أشكاله.

٦- على الصعيد الدولي سيمثل عقد المؤتمر انطلاقة جديدة لدور السودان المغيب في الشراكات الدولية الإستراتيجية مثل الإسهام في القضايا السياسية والأمنية ذات الأثر الضار على الأمن الجماعي الدولي مثل كبح الهجرة غير الشرعية، وتهريب والإتجار بالبشر، والأمن الإقليمي في البحر الأحمر وباب المندب كذلك الإسهام في تقليل المهددات الأمنية السالبة والتأثير الضار لأعمال القرصنة وتهديد حرية التجارة الدولية للأزمة المتصاعدة في اليمن والممرات المائية الحيوية  الهامة.

٧- كما أن المردود الإيجابي للمؤتمر يمكن أن يشمل زيادة دور السودان في الشراكات الاقتصادية والتبادل السلعي وضمان حرية حركة البضائع لدول شرق ووسط أفريقيا التي تعاني من الانغلاق الحدودي والحرمان الطبيعي من الإطلالة على المنافذ البحرية