26/04/2024

بوابة السـودان

صحيفة إلكترونية مستقلة

“الموجة الأولى” من فيروس كورونا لم تنته، بل إنها تزداد سوءًا

قدّم نائب الرئيس مايك بنس في الصفحات الافتتاحية لصحيفة “وول ستريت جورنال”، ادعاء مضلل للغاية مفاده أنه ليس هناك “موجة ثانية” من فيروس كورونا في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن إدارة ترامب تنتصر في حربها على “العدو غير المرئي”.

يتفق علماء الأوبئة في الغالب على النقطة الأولى، لكن ليس لنفس السبب الذي قدمه بنس. يرى مدير معهد هارفارد للصحة العالمية أشيش جها: “لقد كان محقا تمامًا بشأن عدم وجود الموجة الثانية. هذه ليست موجة ثانية، لأننا في الواقع ما زلنا في الموجة الأولى”.

على الصعيد الوطني، بدا أن عدد الحالات الجديدة بلغ ذروته في نيسان/ أبريل وانخفض طوال شهر أيار/ مايو. ولكن في الواقع، كان الجزء الأكبر من انخفاض عدد الحالات المصابة في مدينة نيويورك، التي كانت في السابق مركز تفشي الفيروس في الولايات المتحدة. أما في الولايات التي لم تحترم المبادئ التوجيهية للتباعد الاجتماعي، فقد تواصل انتشار العدوى.

في الوقت الراهن، يزداد عدد حالات الإصابة المؤكدة بكوفيد-19 في 26 ولاية أمريكية، وذلك بعد أسابيع من البدء في التخفيف من إجراءات الغلق في أجزاء من البلاد. أبلغت الولايات الموبوءة بما في ذلك أريزونا وتكساس وفلوريدا عن تسجيل آلاف الإصابات الجديدة. ويوم الأربعاء، سجلت البلاد أعلى إجمالي حالات إصابة جديدة في يوم واحد بواقع 38115 حالة.

تحدثت مجلة “فاست كومباني” إلى أربعة خبراء في علم الأوبئة للحصول على تفسير يوضح معركة أمريكا المستمرة ضد فيروس كورونا بشكل أفضل. كان التعداد الشامل مروعًا: فعلى الرغم من تسجيل أكثر من 2.3 مليون إصابة مؤكدة و120 ألف حالة وفاة، إلا أن القليل من الولايات تتخذ الخطوات اللازمة لوقف انتشار الفيروس. تتوقع دراسة حديثة أجرتها جامعة واشنطن أن أكثر من 200 ألف شخص في الولايات المتحدة سيفقدون حياتهم بسبب كوفيد-19 بحلول الأول من تشرين الأول/ أكتوبر. وقال جها: “قد نشعر وكأننا تخلصنا من الوباء، ولكن للأسف لايزال الوباء بيننا”.

المغالطة التي تتعلق بالموجة

إن استخدام مصطلح “موجات” الفيروس صالح في علم الأوبئة. بعض الأمراض المعدية تظهر بشكل موسمي، مثل الأنفلونزا، التي تميل إلى الانتشار بين فصلي الخريف والشتاء. وكانت هناك أيضًا موجات ملحوظة في جائحة “الإنفلونزا الإسبانية”، التي بلغت ثلاث ذروات مختلفة في الولايات المتحدة. وضربت الموجة الثانية الأكثر فتكًا في خريف سنة 1918.

شوّهت السياسة المحادثات الوطنية حول فيروس كورونا واستغل العديد من حكام الولايات، الحريصين على إعادة فتح اقتصاداتهم، تراجع الحالات لتبرير تخفيف القيود

من الممكن أن يتبع كوفيد-19 مسارا مشابها. تشير الأبحاث إلى أن الطقس الأكثر دفئًا، خاصة مع ارتداء قناع الوجه، عامل يساعد على انخفاض انتقال العدوى. ونظرًا لأن الطقس البارد يجبر المزيد من الأشخاص على البقاء في بيوتهم، مما يجعل التباعد الاجتماعي أكثر صعوبة، يتوقع العلماء ارتفاع عدد الحالات. في هذا الشأن، يقول جها: “ليس لدي أي شك في أن عدد الحالات سيبدأ في التصاعد بسبب بقاء الأشخاص لمزيد من الوقت في الداخل”.

لكن العوامل الموسمية ليست سوى جزء واحد من الحل. فالسياسات الحكومية، والقيود المفروضة على السفر، والتباعد الاجتماعي، وارتداء القناع لها تأثيرات كبيرة كذلك، وكلها تتفاعل بطرق معقدة وغير متوقعة. مع تطبيق كل ولاية سياسات صحية مختلفة، من الصعب تحديد أين تنتهي موجة وتبدأ أخرى.

يقول الدكتور علي خان، المدير السابق لمكتب التأهب والاستجابة للصحة العامة في مركز السيطرة على الأمراض ومؤلف كتاب “الوباء التالي”، إن “الموجة الثانية من وجهة نظري مفهوم مريب” موضحًا أن “كوفيد-19 ليس إنفلونزا، إنه إيبولا”، في إشارة إلى الحمى النزفية التي ترهب بشكل دوري إفريقيا جنوب الصحراء.

إن هذه المقارنة مفيدة إلى حد. كما هو الحال مع فيروس إيبولا، يقول خان إن الحالات الجديدة لا تشير بالضرورة إلى موجة ثانية، بل تشير إلى حدوث “فشل في أنظمة الصحة العامة، التي فقدت أثر سلسلة انتقال العدوى ولم تتمكن من تقديم الرعاية للمصاب”.

استشهد خان بالصين التي أبلغت عن صفر حالات إصابة بكوفيد-19 لمدة ثلاثة أسابيع، ثم سجلت 183 إصابة جديدة، قائلا: “الجميع يشيرون إلى الموجة الثانية التي تشهدها الصين! لكن اعتبار مائة حالة بين 1.3 مليار شخص موجة ثانية أمر غير منطقي”.

على الأرجح، يمكن توضيح الصورة المجازية الأفضل لانتشار كوفيد-19 بواسطة الفيروس نفسه. تحت المجهر، يبدو فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) وكأنه جسيم ناعم ومستدير تغطيه مسامير مضلعة ذات أطوال مختلفة. مثل أي فيروس، من المرجح أن تتميز دورة حياة فيروس كورونا بالعديد من الذروات ذات المدة والكثافة المختلفة. بالنسبة لعلماء الأوبئة، من الضروري أن يكون لدى الناس توقعات واضحة حول كيفية انتشار الفيروس وما الذي يتطلبه الأمر لإيقافه.

لسوء الحظ، شوّهت السياسة المحادثات الوطنية حول فيروس كورونا. واستغل العديد من حكام الولايات، الحريصين على إعادة فتح اقتصاداتهم، تراجع الحالات في شهر مايو/ أيار لتبرير تخفيف القيود في نهاية الشهر الماضي. وقد تشجع البعض من خلال الدراسات التي تؤكد  قوة ضوء الشمس في الحد من الفيروس، بينما تخلى آخرون بشكل فعال عن فكرة الاحتواء تمامًا.

يقدر مسؤولو الصحة العامة أن البلدان لا يمكن أن تظل مغلقة إلى الأبد. وتقترح استراتيجية بديلة فترات متناوبة من القضاء على الفيروس والتخفيف من إجراءات الإغلاق إلى أن يتوفر لقاح، مع إبقاء الانتقال عند مستويات يمكن التحكم فيها دون خنق الاقتصادات المحلية.

تقترح إحدى الدراسات، المدعومة من الاتحاد الأوروبي، أن تفرض الدول قواعد صارمة لمدة 50 يومًا، تليها 30 يومًا من وسائل التخفيف الأقل شدة التي تسمح للناس بالتسوق وتناول الطعام والعمل. وإذا ما عادت الحالات إلى الارتفاع مرة أخرى، فقد يصبح من الممكن وضع قيود من جديدة.

لكن “الموجة الأولى” لفيروس كورونا في الولايات المتحدة لم تنتهي أبدًا- ومازالت في بدايتها في بعض الولايات. وفي الوقت الذي بدأت فيه نيويورك في سحق المنحنى، الأمر الذي تسبب في انخفاض الاتجاه الوطني، تم رصد موجة من الحالات الجديدة في جميع ولايات الجنوب والجنوب الغربي. وهذا الأسبوع، سُجل ارتفاع جديد في حالات الإصابة في الولايات المتحدة، متجاوزًا الرقم القياسي الذي سجل في يوم واحد في أواخر نيسان/ أبريل. يقول الدكتور خان: “لقد استخدم الناس كلمة ‘هضبة’. وأنا أجد كلمة الهضبة غير دقيقة. لقد عجزنا عن احتواء هذا المرض. والآن، نحن نتدحرج إلى أسفل التل”. 

المدى الطويل

يتفق الخبراء إلى حد كبير حول الأهداف المتعلقة بالحد من الفيروس. وتقول أخصائية الأمراض المعدية بجامعة كولومبيا، وفاء الصدر: “حتى يكون لدينا لقاح آمن وفعال متاح للجميع، فإن ما ينبغي أن يحدث هو أن نحاول الحفاظ على هذا المستوى المنخفض من انتقال العدوى، وهو ما أعتقد أنه عمل متوازن”. وهي تؤكد ان ذلك يشمل ارتداء الأقنعة والحد من التجمعات باستمرار، لكنها تخشى أن يجعل التضليل الإعلامي مثل مقال بنس، رسائل الصحة العامة مسيسة.

علينا التوقف عن التفكير في الموجة الأولى والثانية من الفيروس، والتفكير بدلاً من ذلك في ما يحدث حقًا على أرض الواقع

في حديثها عما يحدث، أوضحت الصدر أن ذلك أشبه بـ “تأليب الصحة العامة ضد الصحة الاقتصادية، لكننا لا نريد تحريض أولئك ضد بعضهم البعض”. وقد بينت أنه من الضروري أن يتمكن الناس من العودة إلى العمل، لكنهم بحاجة إلى ارتداء أقنعة الوجه مع الحفاظ على مسافة ملائمة بينهم وبين زملائهم، “نحن بحاجة إلى هذه الإجراءات الصحية العامة، ونحتاج إلى المحافظة عليها قدر الإمكان إلى أن يتوفر لقاح”.

في الحقيقة، إن معظم توصيات علماء الأوبئة بسيطة وتشمل غسل اليدين بشكل متكرر، وارتداء الأقنعة عندما تكون بالخارج في الأماكن العامة، وعدم مغادرة المنزل إلا عند الضرورة. ويقول جها إن “الأمر برمته يتعلق بماذا يمكنك أن تفعل للحد من المخاطر؟”.

لكن في غياب القيادة الفيدرالية، تُركت الولايات لتدافع عن نفسها – الأمر الذي أدى إلى وجود مجموعة من البروتوكولات الإقليمية التي يمكن أن تختلف إلى حد كبير. فسكان نيويورك، على سبيل المثال، مطالبون بارتداء الأقنعة عندما لا يتمكنون من ترك مسافة ستة أقدام بينهم وبين الآخرين. كما يُطلب من سكان كولورادو ارتداء أغطية الوجه فقط إذا كانوا عاملين أساسيين. وفي أريزونا، سمح حاكم الولاية مؤخرًا للحكومات المحلية بالالتزام بارتداء الأقنعة – والعديد من الناس يتجاهلون القواعد تمامًا.

تقول ستيفاني ستراثدي، عميدة مساعدة في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو ومؤلفة كتاب “الوحش الأمثل” – وهو كتاب يتحدث عن الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية – “علينا التوقف عن التفكير في الموجة الأولى والثانية من الفيروس، والتفكير بدلاً من ذلك في ما يحدث حقًا على أرض الواقع”.

لقد ثُبت أن تعقّب الفيروس كان أكثر صعوبة مما ينبغي. فقد اتُهمت كل من جورجيا وفلوريدا، من بين ولايات أخرى، بالتلاعب أو تشويه بيانات فيروس كورونا. وعلى الصعيد الفيدرالي، قال الرئيس ترامب مرارًا وتكرارًا إنه يود إجراء اختبارات أقل من أجل تسجيل عدد أقل من الحالات. وحسب ما ورد، تخطط إدارته هذا الشهر إلى وضع حد للتمويل الموجه لمواقع اختبارات كوفيد-19.

نبّه خبراء مثل ستراثدي إلى أنه من الضروري أن تطلب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها من الولايات الإبلاغ عن الحالات الجديدة بطريقة معينة وموحدة حتى يتمكن الجمهور من الاستجابة وفقًا لذلك. وتقول إن ذلك يمكن أن يساعد الناس على فهم كيفية تفشي الفيروس بشكل أفضل بناء على سلسلة من الهجمات بدلاً من موجة واحدة. وهي لا تزال تأمل في أن يتبنى السياسيون الأمريكيون استراتيجية وطنية أكثر عدوانية، بما في ذلك تعقّب التواصل الجسدي الذي ساعد على احتواء الفيروس في أجزاء من شرق آسيا وأوروبا. وختمت قائلة: “دعونا نواجه الحقيقة، هذا الفيروس لن يختفي وستزداد الأمور سوءًا قبل أن تتحسن”.

المصدر: فاست كومباني